للأوطان أهمية بالغة لأصحابها لما لها من تأثير في حياة الإنسان, فلا غرابة عندما نجد أن الإسلام جعل حب الأوطان من علامات الإيمان, والتي يبذل من أجلها الغالي والنفيس دفاعا عنها وحماية لها, والعمل علي تقدمها في شتي المجالات وقد ضرب النبي وأصحابه أروع الأمثلة في حب الوطن والتضحية من أجله. وأكد علماء الدين أن الاعتداء علي الأوطان ومقدراتها جريمة تخرج مرتكبها من دائرة الإيمان إلي غضب الله لما فيها من قتل للأنفس وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة, ليس لشئ غير المناصب والكراسي, وينطبق عليهم قوله تعالي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وقوله أيضا أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب. البداية يؤكد الدكتور أحمد صبري إمام من علماء الأوقاف أن حب الوطن من علامات الإيمان كما كان يقول الامام علي كرم الله وجهه, وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي وقف يعلن حبه لوطنه الأول مكة ويقول والله إني أعلم أنك أحب البلاد إلي الله ولو أن قومك أخرجوني منك ما خرجت, والنبي صلي الله عليه وسلم يعلمنا أن التقدم والازدهار لا يتحقق إلا بمحبة الأوطان وبخدمتها وبالتفاني في الخدمة, وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمنا حبه واخلاصه لوطنه الذي عاش فيه وأنه خرج مضطرا لأنهم ضيقوا عليه وأخرجوه وقد تعلم الصحابة الكرام هذا الدرس جيدا فلقد ارتبطوا بمكة ارتباطا وثيقا فيذكر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج يمشي في طرقات المدينة في سواد الليل وإذا به صلي الله عليه وسلم يجد بكاء مريرا من الصحابة فلما سألهم عن سر البكاء أعلموه أن الشوق والحنين لمكة هو الذي دفعهم إلي هذا البكاء فوقف صلي الله عليه وسلم يدعو قائلا اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة هذا المربي صلي اللله عليه وسلم الذي علم الصحابة كيف تكون المحبة للوطن وصل الحال بصحابته أن استيقظوا في سواد الليل باكين كالطفل الصغير الذي وجد نفسه بعيدا عن امه فلم يجد أمامه إلا الصراخ والبكاء, ولذلك فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم أعلي مكانة حب الوطن من خلال حديثه الرائع الذي بين فيه أن الشهداء سبعة وكلنا يعلم مكانة الشهيد عند الله ومن هؤلاء السبعة من مات دون وطنه فهو شهيد, فنجد أنه صلي الله عليه وسلم قد ربي أصحابه علي أن الذي يدافع عن وطنه يدافع عن أمنه وآماله واستقراره, فإن مات في هذه الحالة فهو شهيد. وكان صلي الله عليه وسلم يربي الجانب الإيماني في نفوس الصحابة وبين لهم أن الاعتداء علي رجال الأمن القائمين علي أمن البلاد واستقرارها مصيبة كبيرة وطامة عظيمة تقع علي رءوس فاعليها فكان صلي الله عليه وسلم وسلم يقول لاصحابه من أهان سلطان الله أهانه الله فرجل الأمن في الجيش أو الشرطة الذي يحافظ علي أمن البلاد والعباد, ومن تعدي أو أساء اليه فقد أهان سلطان الله حيث ان الله جعلهم قائمين علي أمن العباد والبلاد ولتحقيق الأمن والأمان, فبدون الامن لا طعم للحياة فمن فقد حياته دفاعا عن أمن وطنه واستقراره فهو مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ويقول الشيخ محمد البسطويسي امام بالاوقاف إن الرسول صلي الله عليه وسلم ضرب أروع الامثلة منها حب الوطن وعلم أصحابه كيف تكون محبة الأوطان فبعد أن عاد صلوات الله عليه وسلم من فتح مكة بلده إلي المدينة ضحي بكل ما يملك من أجل إعلاء كلمة الله ومن أجل حماية الأطان, ولقد أشار صلي الله عليه وسلم إلي عظم أجر المرابطين المجاهدين الذين يحمون الثغور والحدود بأنهم في رباط لقوله صلي الله عليه وسلم أنكم ستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا واتخذوا من أهلها جندا كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض وهم في رباط إلي يوم القيامة ولذلك هم في سبيل الله يدافعون عن الأوطان والمال العام وعن أبناء الوطن ومن يضحي بنفسه فهو من الشهداء لقوله تعالي ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وللشهيد خصال يغفر له عند أول قطرة من دمه, يجار من عذاب القبر ويري مقعده من الجنة, ويزوج ب70 من الحور العين, ويلبس والديه تاج الوقار الياقوته منه خير من الدنيا وما فيها, ويشفع في70 من أهله. وأقول للذين قتلوا في سبيل الله وحماية الحدود والوطن هنيئا لكم واقول للذين طالتهم يد الغدر هنيئا لكم وتعسا لمن أرتكبوا هذه الجريمة وتعسا لمن قدم لهم الأسلحة ليرتكبوا بها أبشع الجرائم, فالشهداء أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة والنبي صلي الله عليه وسلم قال كل ميت يختم علي عمله إلا المجاهد في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلي يوم القيامة فهذا ما أعده الله للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فلهم الفوز والنجاة والبشري, أما هؤلاء القتله فهم في الهلاك والخسران والنار يوم القيامة. ويوضح الدكتور عادل المراغي امام مسجد النور أن الدفاع عن الوطن جزء من العقيدة الإسلامية وقد قرن الله بين الوطن والدين في آية واحدة لقوله تعالي لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم فالوطن لا يقل أهمية عن الدين وقد قرن الله بين الإخراج من الوطن وبين القتل في قوله تعالي ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو نظرنا في حياة النبي صلي الله عليه وسلم لوجدنا أنه صلي الله عليه وسلم أشرأب قلبه بحب وطنه الذي شرب ماءه وتنفس هواءه ودرج علي ترابه فلما أخرج من مكة أغرورقت عيناه وهو يكفكف دمعه قائلا والله إنك لاحب بلاد الله إلي الله, واحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ولم يهدأ روعه بحب مكة إلا بعد أن نزلت الآية الكريمة التي تطمئنه بالعودة إلي مرتع صباه إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد, ومعاد اسم من أسماء مكة مما يدل علي محبة النبي صلي الله عليه وسلم لوطنه حينما طمأنه ورقة بن نوفل بقوله إن قومك سيؤذونك ويكذبونك فلم يلتفت إلي شئ من ذلك وعندما قال انهم سيخرجونك ارتجف قلبه صلي الله عليه وسلم وقال صلي الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ قال الامام السهلي وفي ذلك دليل علي انزعاج النبي لمفارقة وطنه لأن حب الوطن من الإيمان. ويستنكر الشيخ ناجي آدم عضو لجنة الفتوي بالأزهر سابقا ممن يدعون باسم الدين ويخربون البلاد ظلما للدين واعتداء علي الشريعة بل يروعون الآمنين ويقتلون الأنفس ظانين أن ذلك من أجل الوطن بل وهو ليس كذلك بل من أجل المناصب والكراسي وينطبق عليهم قوله تعالي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا, وقوله تعالي وتحسبونه هينا وهو عندالله عظيم وقوله أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم.