محافظ كفرالشيخ يؤكد على رفع كفاءة الشوارع وحفظ حقوق المواطنين    أدنوك تؤكد أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي لإتاحة فرص مهمة لقطاع الطاقة    الأهلي يرتدي الطاقم الأسود أمام الترجي في نهائي الأبطال    «الرعاية الصحية»: فوز فريق قسطرة القلب بمجمع الإسماعيلية الطبي بالمركز الأول في مؤتمر بألمانيا    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    جولد بيليون: هبوط سعر الدولار بمصر يحد من محاولات صعود الذهب    خريطة الأسعار: ارتفاع الفول وتراجع اللحوم والذهب يعاود الصعود    محافظ المنوفية: استمرار تلقى طلبات التصالح على مخالفات البناء أيام العطلات الرسمية    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    13 دولة تدعوا إسرائيل لعدم شن هجوم على رفح الفلسطينية    غزة: الجيش الإسرائيلي حرق أجزاء كبيرة من مخيم جباليا    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    الداخلية: قوافل مبادرة "كلنا واحد – معك فى كل مكان" تصل أسوان    توخيل يعلن نهاية مشواره مع بايرن ميونخ    كولر: الترجي فريق كبير.. وهذا ردي على أن الأهلي المرشح الأكبر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    795 لجنة وإجراءات صارمة.. ننشر جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية    باقي كم يوم على عيد الأضحى 2024؟    السيطرة على حريق نشب داخل شقة سكنية في منطقة فيصل    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    في يومها العالمي.. 9 متاحف تفتح أبوابها بالمجان للمصريين بالقاهرة (تفاصيل)    المركز القومي للمسرح يحتفي بعيد ميلاد الزعيم عادل إمام    جائزتان لفيلمي سيمو وترينو بمهرجان إمدغاسن السينمائي الدولي بالجزائر    كوبولا: شعوري بالسعادة بعد عرض Megalopolis لا تصفه الكلمات    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    إيرادات فيلم عالماشي تتراجع في شباك التذاكر.. كم حقق من إنطلاق عرضه؟    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    20 جامعة مصرية ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    جامعة المنوفية تفوز بالمركز الأول في "الملتقي القمي الثالث لسفراء النوايا الحسنة لذوي الهمم"    أيمن الجميل: مواقف مصر بقيادة الرئيس السيسي فى دعم الأشقاء العرب بطولية.. من المحيط إلى الخليج    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    وزير الإسكان: انتهاء القرعة العلنية لوحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    متحور كورونا الجديد الأشد خطورة.. مخاوف دولية وتحذير من «الصحة العالمية»    رئيس الإتحاد الدولى يدافع عن بطولة كأس العالم للأندية 2025    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    افتتاح تطوير مسجد السيدة زينب وحصاد مشروع مستقبل مصر يتصدر نشاط السيسي الداخلي الأسبوعي    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    سنن يوم الجمعة.. الاغتسال ولبس أحسن الثياب والتطيب وقراءة سورة الكهف    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    «القاهرة الإخبارية»: وصول شحنة أولى من الذخيرة التي جمدتها أمريكا إلى إسرائيل    محمد شريف: أردنا الفوز على الاتحاد.. وهذا مبدأ الخليج    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف بسمة الفيومي.. طريقة عمل الكرواسون المقلي    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن بدوي
وجودي احترم العقل وعشق الحرية
نشر في الأهرام المسائي يوم 06 - 02 - 2016

جعلوني قارئا ذاكرة الأمة يجب ألا تنسي النوابغ الذين يبرهنون علي عظمتها بكتاباتهم وروائع أعمالهم, ويستودعون تلك الروائع في بنوك التاريخ لتكون فخرا لها ولهم وللأجيال القادمة,
من هؤلاء الفيلسوف المصري الكبير الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي الذي ولد في الرابع من فبراير عام1917, وقد عاش الدكتور بدوي معيشة طالب العلم ومعيشة العالم الزاهد, وكلاهما صعبة. وكان باستطاعته أن يعيش حياة الرفاهية, فهو ابن العمدة الثري الإقطاعي, إلا أنه اختار المعرفة ودروبها الصعبة. وبعد حياة حافلة ترك لنا كنوزا لا تقدر بثمن, وتزيد من محتوانا الثقافي والحضاري إلي الأبد, فهو المؤلف والمترجم لأكثر من150 كتابا قيما في مجالات الدراسات الأوربية, خلاصة الفكر الأوروبي, والدراسات الإسلامية, والتراجم, ومجموعته الشعرية, وكتبه الإبداعية.
المتأمل في قدراته الهائلة في التأليف والإبداع يدرك بسهولة أنه أمام عملاق علمي جبار. يسرد لنا في كتابه: سيرة حياتي- الطبعة الأولي2000- المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ما قام به من إنتاج علمي وفكري في الفترة من1960 وحتي1966: المثالية الألمانية, دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي, مناهج البحث العلمي, الفلاسفة والسلام, في الشعر الأوروبي المعاصر, المنطق الصوري والرياضي, دراسات في الفلسفة الوجودية, مؤلفات الغزالي, مؤلفات ابن خلدون, ترجمة دون كيخوت, الوجود والعدم, النقد التاريخي, مسرحية دائرة الطباشير, مسرحية علماء الطبيعة, ثلاث مسرحيات تأليف جرثيا لوكا, مسرحيتان لبرشت, ابن عربي, الديوان الشرقي للمؤلف الغربي, الفن والنور واللوحات, فلسفة الحضارة, فضائح الباطنية, رسائل ابن سبعين, الطبيعة لأرسطو, في السماء والآثار العلوية, تلخيص الخطابة, فن الشعر, الفصل الخامس بفن الشعر في كتاب سراج البلغاء لحازم القرطاجي.
كان واثق القلم يمشي بين العظماء بموهبته أستاذا ومبدعا. هو رابع أربعة فرسان مصريين في القرن العشرين, يكفونها عند التحدي: نجيب محفوظ, جمال حمدان, وأحمد زويل, وهو.
عشق الوجودية وكان فيلسوفها في مصر, وبرر ذلك في كتابه: سيرة حياتي, بأنها توافق عشقه للحرية. له كتاب يمثل أحد معالم قدرته وتبيانا يدل علي رساخته في العلم كتبه في سنواته الأخيرة: الدفاع عن القرآن ضد منتقديه, ذو قيمة علمية رفيعة, طبع بالفرنسية عام1989, ونشرته بعدها بالعربية مكتبة مدبولي الصغير عام.1998
تكمن أهمية الكتاب في أن الدكتور بدوي كان يجيد ثماني لغات أجنبية مكنته من البحث والاستقصاء, وخصوصا في مصادر العصور القديمة والعصور الوسطي وآدابهما ووثائقهما التي تتوافر فقط في المكتبات الأوروبية الشهيرة, حيث قضي غالبية عمره بفرنسا والتي اطلع عليها كلها, فتمكن من معرفة لغة القوم الذين حاربوا القرآن منذ القرن الثامن الميلادي وحتي القرن العشرين. ما قدمه في هذا الكتاب لا تستطيع أن تقدمه نخبة متخصصة من جامعة عالمية أو عدة جامعات.
يقع الكتاب في188 صفحة, إضافة إلي صفحة الفهرس, يقول عبد الرحمن بدوي في المقدمة: كان القرآن باعتباره الأساس الجوهري للإسلام منذ النصف الثاني من القرن الأول للهجرة السابع الميلادي, هدفا رئيسيا لهجوم كل من كتب ضده, سواء من الغرب أو من الشرق. وقد وجه هذا الهجوم في البداية علي النسق العام للقرآن ككل يوحنا الدمشقي(750650), في كتاب بعنوان: الطوائف. وبسقوط القسطنطينية علي يد المسلمين الأتراك عام1453, توقف كل الجدل البيزنطي ضد الإسلام, وانتقل مركز ثقل الهجوم إلي أوروبا المسيحية التي رفعت اللواء.
يستمر الدكتور بدوي في سرده للمصادر التاريخية وبطون الوثائق النادرة, ليعرفنا بجميع تفاصيل الذين حملوا راية الهجوم والذين أخذوا علي عاتقهم النقد الشديد للإسلام عامة وللقرآن خاصة:
لم تظهر أول دراسة مفصلة ضد القرآن إلا في العقد الأخير من القرن السابع عشر, في الدراسة التي قام بها لودفيكو مرعشي(17001612), حيث يتطرق مرعشي, الذي كان يجيد العربية والسريانية والعبرية, لحياة محمد من خلال المصادر العربية... لكن يجب القول إن هذا العمل غير دقيق ومليء بالأخطاء الفادحة والحجج الضعيفة التي تفتقر إلي الدقة العلمية, ونفس هذه الأخطاء سنجدها بدرجات متفاوتة في كل البحوث والدراسات حول القرآن التي قام بها المستشرقون خلال القرنين التاليين لظهور كتاب مرعشي.
هذا ما أثبته عبد الرحمن بدوي في كتابه الأصيل, الشامل لتلك الادعاءات منذ البداية وحتي القرن العشرين, واستطاع أن يستنبط ويستنتج أن الأسباب التي كانت وراء ضحالتهم تكمن في الأساس في عدم معرفة هؤلاء المستشرقين للغة العربية, وضعف مستواهم في آدابها, وأن معلوماتهم جميعا مستقاة من مصادر عربية ناقصة وضحلة وغير كافية, وأن ما يحركهم هو دافع الضغينة والحقد علي الإسلام مما يفقدهم الموضوعية ويعمي بصيرتهم, وأنهم كانوا مدفوعين بالتبشير والتعصب المتحفز ضد القرآن.
طابع جدلي
ويختم مقدمته بمنهجه الذي اتبعه في كتابه بقوله:ومع أن موضوعنا يتسم بطابع جدلي, إلا أننا اتبعنا منهج علم اللغة الصارم, متوخين أكبر قدر من الموضوعية, يحدونا في هذا هدف واحد ألا وهو فضح بعض أشباه العلماء الذين خادعوا الكثيرين في أوروبا وغيرها.... لكن القرآن خرج منتصرا علي كل هذه الهجمات.
يبدأ الفصل الأول في كتابه بشرح مفهوم لفظ أمي, المتعلق بالنبي عليه السلام, فيفند آراء المفسرين المسلمين والمستشرقين القدامي والمحدثين ويخلص إلي تفسيره, فيقول: كلمة أمي مشتقة من كلمة أمم وهي جمع أمة, ومعناها: عالمي, صالح أو موجه لكل الأمم. فالنبي الأمي إذن هو نبي بعث إلي كل الأمم. النبي العالمي إن صح التعبير. أما الجمع أميون والذي ورد أربع مرات في القرآن, فتفسيره شعوب مختلف الأمم أو مجملها.
ثم يتطرق في الفصل الثاني من كتابه الرائد إلي تفنيد التشابه بين القرآن والكتاب المقدس والذي دأب علي استخدامه غالبية المستشرقين القدامي والمحدثين منهم.
يقول الدكتور بدوي: بحث المستشرقون علي مدي قرون متتالية عن وجود تشابه بين القرآن والكتب المقدسة الأخري, وراحوا يفتشون في النصوص القرآنية لعلهم يجدون بصمات يستدلون منها علي احتمال تأثر النصوص القرآنية بالإنجيل أو التلمود, وتبلورت هذه النزعة في القرن التاسع عشر, حيث اتخذ البحث والدراسة منحني علميا في الظاهر, فنشرت عدة مؤلفات حول هذه المسألة.
شرح تفصيلي
قام الدكتور بدوي بشرح تفصيلي شامل لكل هذه المؤلفات من الكتب ذات النزعة اليهودية, والأخري ذات النزعة المسيحية, وخلص إلي أن كل هذه المؤلفات تهدف في المقام الأول الي إرجاع أصل القرآن إلي نصوص أخري في الكتب المقدسة. وأن المستشرقين اتبعوا منهجا عاما مفاده أن محمد عليه السلام, الذي يتهمونه بتأليف القرآن, قد استقي واستعار من الكتب المقدسة وشبه المقدسة واليهودية أغلب القصص والصور المجازية والأمثال والحكم.
ويدحض الدكتور بدوي تلك الادعاءات السخيفة باستنتاج رائع: طبقا لهذه المزاعم يفترض إذن في محمد عليه السلام, إتقانه للغة العبرية والسريانية واليونانية. كما يفترض أيضا أنه قد امتلك مكتبة ضخمة تضمنت نصوص التلمود, ومختلف الأناجيل, ومختلف كتب الصلوات وقرارات المجالس, وكذلك بعض أعمال الأدباء اليونانيين ومختلف الكنائس والمذاهب المسيحية.
ومما لا شك فيه أن هذه الافتراضات التي تطرحها ضمنيا كتب هؤلاء المستشرقين غير معقولة, فحياة النبي محمد عليه السلام معروفة قبل الدعوة مثلما هي معروفة بعدها لدي الجميع, علي الأقل في جوانبها الخارجية, فلم يرد قط لدي المعاصرين أو القدامي علي حد سواء أن النبي محمد عليه السلام قد امتلك مكتبة ما أو أتقن لغة أخري غير العربية.
تفنيد وحقائق
ومما يلفت النظر كذلك في كتب هؤلاء المستشرقين هو إصرارهم علي النظر للقرآن كنص مسروق كلما وجدوا فيه حقيقة معرفية تضمنتها الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية. وكأن علي القرآن, حتي لا يقذف بتهمة السرقة أن يحمل في طياته حقائق مخالفة للعلم وللعقول!! وكلما عثر هؤلاء المستشرقون في القرآن علي كلمة مشابهة لكلمة أخري وردت في الكتاب المقدس سارعوا إلي استنتاجات كلها خاطئة في أساسها, وإني أتساءل كيف استطاعوا, وهم الذين يدعون العلم أن يوقعوا أنفسهم في مثل هذه السخافات.
يشرع لنا الدكتور بدوي بعقد مقارنات عديدة بين النصوص القرآنية والنصوص التي يستخدمها المستشرقون ويدعون من خلالها أن القرآن أخذها منها, ويتساءل بعد وضعه النص القرآني في مقابلة ومقارنة تلك النصوص, ويخلص إلي أنه لا يوجد أي قاسم مشترك أو تشابه قط رغم ادعاء هؤلاء المستشرقين ومجهوداتهم الجبارة لإثبات مزاعمهم, ومحاولاتهم المتكررة أن القرآن ماهو إلا نسخة مزورة من الكتاب المقدس. يخلص الدكتور بدوي قوله:.. لقد أظهر المستشرقون عبقرية مزيفة في إثبات فرضية خاطئة في أساسها... وأن موقف هؤلاء الباحثين ما هو إلا نتيجة منطقية لتحيزهم وبحثهم المسعور عن بصمات عبرية ويهودية في القرآن.
وقد أفرد الدكتور بدوي فصلا كاملا ضد ادعاءات المستشرقين الذين ركزوا علي أن أصل الكثير من الكلمات الواردة في القرآن لها جذور عبرية, واستطاع أن يبين بالأدلة كذب تلك الادعاءات, من هذه الكلمات: حطة, المعتكفات, أمر, بركة, تبارك, بهيمة, مثاني, خلاف, رب العالمين, سكينة, صدقة, عزر, قيوم, كفارة, ماعون, منهاج, جبار, رباني, سفك الدماء, قدوس, سورة, نبوة, بغير, عبادة, بور, صديق, جنات عدن, عليون, تزكي.
شرح الدكتور بدوي أن ادعاءات المستشرقين بأن هذه الكلمات ذات أصول عبرية خاطئة وغير صحيحة. إضافة إلي ذلك فإنه أفرد فصلا كاملا لمعني كلمة فرقان والتي ذكرت في القرآن ست مرات, وتناولها المستشرقون بالبحث والتنقيب وأن أصولها عبرية وسيريانية تعني بوركانا أو الإنقاذ, وقد استدل الدكتور بدوي بالتفسيرات الإسلامية والمعاجم اللغوية لدحض مزاعم المستشرقين في هذا الصدد.
فرقان الآيات الست
واستنادا علي كل ما ذكر بشأن تلك الكلمة فسر الدكتور بدوي كلمة فرقان: إن فرقان مصدر الفعل فرق والذي معناه التمييز بين الخير والشر, وبين المشروع واللامشروع. وبالقياس نجد أن كلمة فرقان تدل علي معيار التمييز بين الخير والشر. ولنطبق إذن هذا التفسير علي الآيات الست التي وردت فيها الكلمة:
أولا: في الآيات53 من سورة البقرة, والآية48 من سورة الأنبياء, تدل كلمة فرقان علي التمييز بين الخير والشر, وبين الحلال والحرام.
ثانيا: إن المراد من كلمة فرقان في الآية4 من سورة آل عمران والآية1 من سورة الفرقان هو القرآن.
ثالثا: والمقصود منها في الآيتين185 من سورة البقرة, والآية41 من سورة الأنفال التمييز بين الخير والشر, وبين الحق والباطل في الدين.
وبالتالي نرفض أن يعطي لهذه الكلمة تفسيرا من نوع الإنقاذ أو ما يعادلها باللغات الأخري.
بعدها أفرد الدكتور بدوي فصلا كاملا ردا علي مزاعم المستشرق اليهودي ديفيد صموئيل مرجليوث, والذي اعتنق المسيحية في أواخر عمره, والذي وصفه الدكتور بدوي بأنه: جند نفسه طول حياته عدوا عتيدا ضد الإسلام, ودفعه تعصبه العنيف إلي عرض المزاعم شديدة الغرابة لم يكن القصد منها سوي الهجوم علي الرسول محمد عليه السلام والحط من رسالته.
فند الدكتور بدوي كل المزاعم شديدة الجهالة التي تميزت بها آراء مارجليوث وكتاباته الموثقة ومنها: أن كلمة مسلم كانت تطلق سابقا علي مريدي مسيلمة الذي ادعي النبوة والمعروف باسم مسيلمة الكذاب. يقول الدكتوربدوي عن ذلك: أتساءل كيف وقع مرجليوث وهو في سن الخامسة والأربعين في هذا الخطأ الفاضح؟. ألم يسبق له أن قرأ القرآن أو السيرة أو أي كتاب عن تاريخ الإسلام, وكيف يشتق اسم الفاعل مسيلمة من اسم مسلم؟, فلو كانت لديه أدني معرفة باللغة العربية لتنبه إلي أن النسبة إلي مسيلمة تكون مسيلمي لا مسلم, لكن للأسف فإن تعصبه أدي إلي عمي بصيرته.
يدعي مرجليوث أن طقوس الصلاة الإسلامية مرتبطة بطقوس الحرب. وإن لم يكن المسلمون بحاجة إليها لولا أن أقامها المقاتلون وقت الحرب.. ويستنتج أن الفاتحة التي تتلي أثناء الصلوات سابقة للهجرة حيث إن محمد لم يكون جيشا إلا وهو في المدينة.
ادعاء مثير للضحك
يعلق الدكتور بدوي علي ذلك بأن هذا الادعاء في الحقيقة مثيرة للضحك, وأنه ادعاء صبياني وسخيف, لأنه يؤكد أن الصلاة فرضت علي المسلمين كعمل عسكري, وهذا ما لا يقبله العقل, وسخيف لأن القول بأن سورة الفاتحة سورة مدنية مؤداه أن محمد عليه السلام وأتباعه لم يكونوا يؤدون الصلاة قبل ذلك, مع أن الكتب والأحاديث الصحاح تؤكد أن الصلاة غير جائزة دون الفاتحة التي هي أم الكتاب. وعلي هذا النهج يستمر مرجليوث في ادعاءاته الخاطئة فهو يري أن صيام شهر رمضان تدريب عسكري. وكذلك تحريم الخمور مرتبط أيضا بالانضباط العسكري.
وفيما يخص المحرم من الطعام يدعي مرجليوث أن محمد بدلا من أن يضع نظاما للطعام المحرم, لجأ إلي استبقاء الحد الأدني مما أقره مجمع القدس والمنصوص عليه في الإصحاح15 مع تحريم لحم الخنزير.
تكمن قيمة الكتاب في أنه يقدم معرفة أصيلة ومؤصلة, ويفتح أبوابا جديدة ويرسم خريطة لتلك الأبواب, ويقدم أبحاثا رائدة لا بد أن تكمل.
عاد إلي وطنه مصر قبل وفاته بأربعة أشهر عقب سقوطه في أحد شوارع باريس مغشيا عليه, ونقل عقبها إلي أحد المستشفيات في باريس, ومعرفة طبيب فرنسي منه أنه فيلسوف مصري, مما جعل ذلك الطبيب يتصل بالقنصلية المصرية في باريس. رحم الله أنيس منصور الذي قام بدور ومجهود كبيرين في تكفل الدولة بعلاجه هناك وعودته مكرما ليدفن في وطنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.