اشتعلت حرب فلسطين من حيث لا يدري أحد أو يتوقع أشعلها فاروق بمثل ما يشعل السيجار, أو مبسم الطباق وقد كان( مرسي مدكور) غارقا في حب( مفيدة) إلي أذنيه فوجد نفسه غارقا في حرب فلسطين من حيث لا يدري حرب لاناقة له فيها ولا جمل. وما هو إلا عاشق ولهان, لا محارب ديدبان وأخذ( مرسي) يخاطب نفسه كالملسوع أو الملدوغ( تبالك أيتها الحروب, وتبالك يا حرب فلسطين!!). وزار( مرسي) بيت حبيبته, فوجد أباها جالسا كعادته علي الحصيرة في بيته العتيق يدخن النرجيلة. وهتف( مرسي): في صوت أسيف: كيف حالك يا عم خليل؟ وأجاب الرجل الكهل الداكن السمرة من خلال الدخان المتصاعد من فمه: مرحبا يا مرسي. هل ستذهب إلي الحرب؟ قال( مرسي) في لهجة حائرة بلهاء: بلي يا عم خليل, لا مفر من الذهاب إلي الحرب.. ولكن كيف حال مفيدة الآن؟ أجاب الكهل في صوت مفعم بالأسي: مفيدة مريضة يا ولدي.. قال لنا الحكيم( إنها مبادئ سل!). وهتف( مرسي) كالمصعوق: مبادئ سل؟! غمغم الكهل كأنه يحدث نفسه: بلي.. هكذا قال لنا الحكيم.. قال( مرسي) مستعطفا: وموضوع الزواج يا عم خليل؟ ألا تسمح لنا بأن نتزوج الآن قبل ذهابي؟ أجاب الكهل مستفسرا: الآن كيف؟ ما هو هذا الآن الذي تقصده؟ قال( مرسي) متلعثما: أقصد الغد أو بعد غد قبل أن أذهب, وليطمئن قلبي: صاح الرجل الكهل ينادي علي ابنته: الشاي يا مفيدة.. ثم عاد الرجل الكهل ينظر إلي ضيفه متفرسا فيه, ثم ما لبث أن أجابه قائلا: بعد أن تعود من الحرب يا مرسي.. وريثما تكون مفيدة قد شفيت.. وجاءت( مفيدة) بعد قليل حاملة بين يديها صينية الشاي. وهي تسعل. وصافح( مرسي) حبيبته في لهفة حاول أن يخفيها.. وردت هي علي تحيته في استحياء انثوي لطيف. وغادر( مرسي) بيت المحبوبة. ومرت الأيام كشأنها ما بين إقدام وإحجام. وانتهت الحرب. ومات( مرسي) في ميدان الحرب. وماتت( مفيدة) علي فراش المرض. مات( مرسي) ولم يعد كما وعد! وماتت( مفيدة) ولم تبرأ من السل كما تمنت!! ذهب( مرسي) وهو يلعن الحرب. وذهبت( مفيدة) وهي تلعن المرض. وإن أردتم أن أصدقكم القول.. ففي هذه( القاهرة) الصغيرة الكبيرة.. كل الأمور تتغير بعد الحرب!!! عادل أسعد بساده