الثقافة هي الماضي والحاضر والمستقبل..الثقافة هي الكل المركب للوعي وللموروث وللقيم الحاكمة لأمة ما..الثقافة هي السلوك..هي ابتسامتك هي نظافتك هي جديتك هي طموحك هي علاقة بذاتك وآخريك! يخطئ كل من يظن أن الثقافة مجرد ترف أو مجرد إبداع يخص أصحابه, أدبا أو فنا أو رسما أو تأليفا, إنها القيم التي نعيشها ونعتاش بها وفيها وتشكل علاقاتنا بذواتنا وبآخرينا معا! لم تقم حداثة الغرب إلا لكونها كانت محمولة علي فكر النهضة وعصر الأنوار ومفكريه!..ولم تقم حداثة العرب أو تتأسس نهضتهم في عهد محمد علي إلا علي أفكار الطهطاوي وعلي مبارك ومفكري النهضة وطلاب البعثات الذين سجل تاريخهم الأمير عمر طوسون في كتابه المهم حولها. كذلك, لم يقم تصور النهضة ودعواها في الحقبة القومية والناصرية إلا علي حوامل من الوعي,أغاني وسينما وكتابات ومقالات كانت تصنع وعيا قوميا!..وإيمانا بالمشروع الذي قام! الثقافة هي الكلمة..والكلمة هي الوعي..وهكذا كان القول الإنجيلي المشهور في البدء كانت الكلمة..الكلمة مسئولية والكلمة رسالة والكلمة نبوة والكلمة تنوير والكلمة تحيي والكلمة تقتل..والكلمة تعلم والكلمة تجهل والكلمة تصنع وعيا حقيقيا وسلوكا إيجابيا أو وعيا زائفا وسلوكا سلبيا! الثقافة هي السلوك..والسلوك شرط الإتقان الذي هو شرط التقدم وهو المندوب حسب نص الحديث النبوي, هو البراندBrand بتعبير التسويق المعاصر حين يكون التعليم تعليما..والمؤسسة مؤسسة..والقضاء قضاء..والدولة دولة..والمواطن مواطنا! بلا تمييز من لون أو اعتقاد أو فكر. رغم جفوة القول بفشل الثورات العربية التي اندلعت في العام2011 تونسيا ثم مصريا وليبيا وسوريا ويمنيا,وسقوط حلم الربيع العربي معها ليس فقط لأنها لم تكن برأس ولكن لأنها لم تكن بعقل وفلسفة وراءها تمثل خطابها النظري والقيمي الذي ينبغي التمكين له,خرجت بشعارات وطموحات فضفاضة استغلها من ليس منها وسرقها من لا ينتمي إليها..وتصادم المنجذبون علي السلطة وعاد المشتاقون ينافقون يمنة مرة ويسرة مرة أخري وتشتت الثوار حيث لا رابط يجمعهم وسالت الثورة سيولتها حيث لم تكن نواتها الفكرية الصلبة تربط بينها..وكثير غير ذلك فصلناه في مواضع أخري ولكن أستدعي ما قاله المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي من أن ثورة سياسية دون ثورة ثقافية ترافقها كارثة عظمي. كل هذا التمهيد الشاجن وكل هذا الوجد الحزين في معركة الإرهاب في كل المنطقة,وليس في مصر وحدها,لا نسوقه إلا لنقول ونؤكد أن أزمتنا هي أزمة ثقافة في المقام الأول..مادام لا توجد في كل قرية ونجع مكتبة وقصر للثقافة وتعليم للفنون والأفكار ومحاضرات نقاشية وتفاعلية تعلم الإنسان كيف يكون إنسانا ومواطنا مسئولا فلا شك أن الظلام سيسود وأن الظلاميين سينتصرون! قديما كان يقول شكسبير معبرا عن هذا المعني لا ظلام في الدنيا إلا الجهل فالنور يأتي مع الثقافة والجهل هو الظلام..أين السياسات الثقافية..لم يأت مصر ولا غير مصر من البلدان العربية وزير نسمع منه عن وضع سياسة ثقافية؟..عن استثمار حقيقي في العقول والنفوس؟..عن تدوير حقيقي للنخب والجماهير؟..عن تشجيع متسع للإبداع وانتشار لمراكزه بعيدا عن العاصمة! هذه السياسة الثقافية التي وعي بها..كان ثروت عكاشة رحمه الله..وكان عبدالقادر حاتم الذي نافسه في عهد عبدالناصر, ووضع عكاشة كتابا حمل عنوانهالسياسة الثقافية عرضت له في موضع آخر..كان عبدالناصر مؤمنا بالمشروع الثقافي-وان اختلفنا معه- كان مؤمنا بالفن والسينما والمسرح وأهمية وعي الناس في إدارة كل معاركه! هذه القضية الخطيرة ليست حكرا علي وزارة الثقافة المأزومة ماليا واستراتيجيا بل قضية كل الوطن..كل مصر..كيف نعلم الطفل أن يستقبل السائح بوردة وليس يستقبله متسولا!..نعلم المواطن حقوقه قبل واجباته فلا يخشي شديدا ولا يغريه فاسد فسادا..والسلام.