عقد هذا المؤتمر في لندن تحت رعاية وزير المستعمرات البريطاني هنري بنرمان سنة1905 بناء علي دعوة حزب المحافظية البريطاني لفرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا إلي عقد مؤتمر سري لدراسة تأمين ثروات المستعمرات في الشرق وطرق المواصلات منها وإليها بالإضافة إلي الإجراءات المطلوبة لعدم انهيار الامبراطوريات الاستعمارية وجمع لهذا المؤتمر عدد كبير من العلماء والمفكرين والمشاهير في جميع أفرع المعرفة والمجالات العلمية واستمرت مناقشاته لمدة عامين. وتم التوصل في نهاية المؤتمر إلي وثيقة سرية عرفت بوثيقة كامبل نسبة إلي هنري كامبل الذي أصبح رئيسا لوزراء بريطانيا سنة1907 وقت صدور الوثيقة. وتوصل المجتمعون إلي نتيجة مفادها ان البحر المتوسط والمنطقة العربية هما الشريان الحيوي للاستعمار وهما الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلي القارتين الآسيوية والإفريقية, وملتقي طرق العالم وأن المنطقة العربية هي مهد الأديان والحضارات.. والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش عليه شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان وعقيدة يموت دونها وإن أبرز ما جاء في توصيات المؤتمر الإبقاء علي شعوب هذه المنطقة.. مفككة.. جاهلة..متأخرة.. وعلي هذا الأساس قدموا التوصيات الآتية: العمل علي حصار هذا الشعب بين شواطئ جنوب المتوسط ودائرة العرض10 درجة والعمل علي تجزئته.. استكمال السيطرة علي المنطقة بتقسيم دول العالم إلي أربع فئات.. الأولي: دول الحضارة الغربية المسيحية الاستعمارية.. الفئة الثانية: دول الحضارة الغربية المسيحية مثل دور أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا, والمطلوب دعمها ماديا وفنيا لتصل لمستوي عال من التقدم والازدهار.. الفئة الثالثة: دول لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها مثل دول أمريكاالجنوبية واليابان وكوريا والواجب تجاهها هو احتواؤها ودعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلي مستعمراتها في الشرق أو الغرب.. الفئة الرابعة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لمستعمراتها, وهي الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام, والواجب تجاهها هو حرمانها من الدعم واكتساب العلوم والمعارف الحديثة وأي توجه وحدودي فيها. صدرت وثيقة المؤتمر كتقرير سري وخطير.. وأحالته وزارة الخارجية البريطانية إلي وزارة المستعمرات البريطانية.. ولم يظهر إلا قبيل الحرب العالمية الأولي.. حينما نشره صحفي بريطاني صهيوني.. في معرض الدفاع عن الوطن القومي اليهودي في فلسطين.. تبريرا لقيام إسرائيل كضرورة اقتصادية وسياسية واجتماعية للغرب ومصالحه والسيطرة علي الشرق. كانت الصهيونية العالمية قد بدأت نشاطها الفعلي لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين بعد مؤتمر بازل1897, وتولت الصهيونية السياسية ممثله في تيودور هرتزل وأعوانه من بعده المفاوضات مع البريطانيين تحت ضغط فضح ما جاء بوثيقة كامبل السرية وما تحتويه من عدائيات سافرة ضد الشعوب العربية والتي وثقت في الوعود البريطانية بالمساعدة في التخلص من السيطرة العثمانية, وظلم واستغلال حكامها للعرب وثرواتهم عقود طويلة باسم الخلافة الإسلامية, وحيث يعمل البريطانيون بكل جهد ويجهزون للحرب العالمية الأولي ويحتاجون إلي دعم العربي ضد الأتراك. التقت وجهتا النظر والمصالح للقوي الاستعمارية الغربية مع وجهتي نظر ومصالح للصهيونية السياسية فقامت الدول الاستعمارية بزعامة بريطانيا راعية الاستعمار الحديث بالعمل علي تنفيذ القرارات التي قدمتها وثيقة كامبل ومن أبرزها إقامة حاجز بشري قوي وغريب في قلب المنطقة العربية وعلي مقربة من قناة السويس, وتعمل كقوة متحالفة وصديقة للاستعمار ومنفذة لمخططاته ومعادية لسكان المنطقة فقامت من جانبها بعمل اتفاقية سايكس بيكو سنة.1916 التي أنتجت كيانات سياسية عربية متفرقة وإصدار وتنفيذ وعد بلفور سنة1917, ثم الانتداب علي فلسطين سنة1922 بعد اقتطاعها من الشام تمهيدا لغرس إسرائيل في قلب المنطقة العربية سنة.1948 مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا