من الثابت أن مبدأ مراعاة الفروق الفردية للمتعلمين من أهم المباديء في التربية والتعليم; لأن الله سبحانه وتعالي لم يخلق الناس متساوين في قدراتهم واستعداداتهم بل خلقهم متفاوتين في ذلك حتي لا يكرر بعضهم بعضا, وحتي يكمل بعضهم بعضا. وقد أوصي النبي صلي الله عليه وسلم المعلمين بتعليم الناس ما تطيقه عقولهم, وما يتناسب واستعداداتهم العقلية والبيئية: فقد روي الإمام البخاري في صحيحه, في كتاب: العلم, باب: من خص بالعلم قوما دون قوم,من حديث الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:حدثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يكذب الله ورسوله قال الحافظ ابن حجر: المراد بقوله:بما يعرفون) أي: بما يفهمون, وفي رواية:ودعوا ما ينكرون أي: اتركوا ما يشتبه عليهم فهمه. وقد وجه النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم إلي ما يصلح لهم, ويتناسب وقدراتهم, ويحذرهم من الأشياء التي لا يصلحون لها, ولا ترقي لها استعداداتهم: روي الإمام مسلم في صحيحه,في كتاب: الإمارة, باب: كراهة الإمارة بغير ضرورة, وأخرجه الإمام أبو داود في كتابه: السنن,في كتاب: الوصايا, باب: ما جاء في الدخول في الوصايا من حديث أبي ذررضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أبا ذر إني أراك ضعيفا, وإني أحب لك ما أحب لنفسي,لاتأمرن علي اثنين, ولا تولين مال يتيموقد حذفت التاء في قوله:لا تأمرن, وفي قوله: لا تولين), وأصلهما: لا تتأمرن, ولا تتولين. وقد صنف النبي صلي الله عليه وسلم المتعلمين في تلقيهم العلم, ومدي تقبلهم له, وانتفاعهم به إلي أصناف ثلاثة: الصنف الأول: استفاد وأفاد غيره. الصنف الثاني: لم يستفد وإنما أفاد غيره. الصنف الثالث: لم يستفد ولم يفد غيره. أخرج الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله تعالي في صحيحيهما بسندهما عن الصحابي الجليل أبي موسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:إن مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضا, فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء, فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكان منها أجادب أمسكت الماء, فنفع الله بها الناس, فشربوا منها وسقوا وزرعوا, وأصاب طائفة منها أخري فإذا هي قيعان لا تمسك ماء, ولا تنبت كلأ, فذلك مثل من فقه في دين الله, ونفعه بما بعثني به, فعلم وعلم, ومثل من لم يرفع بذلك رأسا, ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه, في كتاب: العلم, باب فضل من علم وعلم, وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه, في كتاب: الفضائل,في باب: بيان مثل ما بعث النبي صلي الله عليه وسلم من الهدي والعلم واللفظ له. وقد راعي النبي صلي الله عليه وسلم الفروق الفردية للمتعلمين,فخاطب الناس علي قدر عقولهم, وخاطبهم بلهجاتهم, وعلي حسب أحوالهم, وكان النبي صلي الله عليه وسلم يرفع صوته, ويعيد الكلام ثلاثا مراعاة لذلك. رئيس قطاع أصول الدين كلية الدراسات العليا جامعة الأزهر