مبني عملاق تسكنه أشباح الإهمال من الخارج قبل الداخل, سكون قاتل يصيب بالوحشة في تلك المساحة الكبيرة التي يشغلها ميناء القاهرة البري, أو ما يعرف بمول الترجمان في قلب العاصمة.. ملايين الدولة التي تم إنفاقها علي ذلك المبني الكبير تبدو شاهدة علي إهمال طال خارجه, فيما يظهر عليه من عشوائية وقمامة وحيوانات تتخذ من سوره مربطا ومرتعا, وإهمال أكبر طال الداخل في محلات مهجورة ومشوهة بعدما فشل مستأجروها في تشغيلها بسبب غياب الزبائن والأمن. ما بين المشهد المأساوي الذي يبدو عليه المول, واتهام الشركة المصرية للمشروعات المتكاملة المسئولة عن إدارة المول, يبقي المبني بحالته المزرية, شاهدا علي إهدار المال العام ووكرا للجريمة وأرضا خصبة لمن يريد أن يتخذ منه حصنا لأي عمل يخالف القانون. جولة الأهرام المسائي في المبني المأساوي بدأت بموظف الأمن.. رجل ستيني هزيل الجسد الخائف, الذي رفض ذكر اسمه, يتولي حراسة طابقين كبيرين في مول الترجمان, وكما يقول فإنه يعمل في قلب الخطر, في مبني مفتوح وواسع يتعرض لحرائق وسرقات.. وسيارات الناس دائما في خطر. ليس هناك ما يدعو الرجل شبه العجوز أن يضحي بحياته في سبيل الدفاع عن المول في حالة حدوث خطر مفاجئ, فما يتقاضاه مقابل ذلك العمل الخطر600 جنيه فقط لا تكفي نفقات أسرته في ظل الأسعار النار, حسب قوله, ولذلك فإنه يحتاج إلي دعم إضافي من أفراد الحراسة ليستطيع بمعاونتهم تغطية المول الكبير أمنيا, خاصة في فترة الليل التي يصفها بأنها فترة موت ممكن حد يقتلني هنا وماحدش يجيب عني خبر. من فرد الأمن إلي من تبقي من محلات تعد علي أصابع اليد الواحدة, فقط محل أو اثنين وصيدلية هي كل ما يعمل في ذلك المول, الذي لا يرتاده سوي راغبي السفر عبر السوبر جيت, كما يقول أحمد علي مدير محل الملابس اليتيم داخل المول. ويستغيث محمد أحد العاملين بالمول من الخفافيش والثعابين والكلاب التي تنتشر بالمول, وسرقة كابلات الكهرباء والعشوائية اللي مالية المبني وكأنه بلا صاحب, علي حد قوله. أما الصيدلية الوحيدة أيضا بالمول فهي تعتمد علي التعاقدات مع المؤسسات الصحفية كمصدر دخل وحيد, كما يقول مدير الصيدلية ولولا ذلك لأفلست وأغلقت بابها, لكنه يأمل أن تلتفت الحكومة إلي ذلك المبني وتنتشل ملايين المال العام من براثن الإهمال.