تجاوزت النطاق الشضيق للانطلاق, اصبح الرصيف رحيبا حين لم أشعر بمن حولي وكأن عصفورا فك أسره بغتة لم يدر ماحدث وماعساه فاعلا بها, تمهلت في حما سور مدرسة لم أعد قادرا علي المضي, هل تعرف هذه الحالة, يسيطر عليك ضجرك فلا تجد جديدا تفعله, تنام,تستيقظ مرة أخري, تغتسل مرة أخري, شعور سيزيف وهو يدفع الصخرة للأعلي كل يوم وياله من عقاب, حتي صادفت الصوت..لو سمعته ستشعر أنك تعود القهقري هذا صوت شارد رجع صدا محفور في ذاكرة منسية منذ عقود, لاشك انه ينتمي لذوقنا, انما يأتي وكأنه أنة موجات راديو خشبي قديم, صوته جميل للغاية..ليس قويا ولكنه حزين, جماله يكمن في حزنه وانكسارات الضعف فيه, يذكرك بأشجان الماضي الجميلة وقصص الحب المؤلمة, آت من سحب القرار اويذكرني بصوت جدي وهو علي فراش الموت يحيي تحيته الأخيرة!! تأملته في وقفته المستكينة الثابتة, جسيم التكوين,شبه الحافي ووجهه المتغضن ذو السمات السمراء, ذقن أبيض طويل مغبر, ملابس رثة يستند علي عصا برأس الشومة الاسيوطي.. يمد اليد للأمام فيضعون له فيها بقايا قليلة وعيناه بل ليس هناك عينان..هما تجويفان أسودان يبعثان قشعريرة في جسدك, كان بطيئا في سيره, لكنني سرت خلفه طويلا, ارقب و استمع لصوته العفي وأنا لا أشعر بمن حولي, حينها انتصف الليل, قل عدد المارة وقل تدفق النقود في يده, فتوقف فجأة عن الغناء..اقتربت منه, وضعت بيده عشرة جنيهات, ثم ملت علي أذنه هامسا: هذه عشرة جنيهات كاملة فلا تتوقف عن الغناء. ابتسم واطبق يده بشده وقال: أعطني عشرين وسأغني لك حتي الصباح قلت له متصنعا الغضب: لاحاجة لي بجشع مثلك رد لي النقود وضع النقود بجيبه بسرعة وقال: ولكن ما الذي يضمن لي أنها حقا عشرة..ها ربما كانت جنيها أو حتي نصفا قلت له: اتراني اغشك لتغني الموال العبيط الذي تقوله, كل ما اريده الاتتوقف اغتصب ابتسامة حزينة ثم قال: انا لا اغني بالامر سأغني لك اذا جروت علي الجلوس معي علي القهوة وطلبت لي الشاي أو أي شيء آخر. قلت ضاحكا باستمتاع: وأنا جريء علي ذلك أخذت يده وسرنا معا في الطريق لم ادر الاتجاه ولاكيف أخذته الي احد المقاهي, وما ان جلسنا حتي هم الساقي بطردة تدخلت: هو معي, انا من سيحاسب علي اي شيء قال له السباقي في سأم وقرف ظاهر: اطلب واتمني ياسيدي؟ ابتسم وقال: شيشة تفاح وقهوة تركي مانو وشوف الباشا يشرب اية اسرعت اقول: شاي أتي الساقي بالطلبات بسرعة عجيبة حتي ظننت اننا الوحيدان بالقهوة, بعد لحظات صمت اخد يدندن بصوت واثق عريض: علي باب رحمتك يارب, قاعد ومستني ساعة قبول ورضا وتزيل الهموم عني من باب رحمتك يارب, بأطلب وفاء الدين من اللي ياما وسعتهم, بالقلب قبل العين أذاني يارب القريب, ومسلمتش من القاصي وغدر بعمري الحبيب واظنه مات عاصي صمت ثم قال لي: سجلت اللي قلته قلت مستغربا سؤاله: لا ولماذا أسجل قال لي:( عشان الماجستير بتاعك ولا الدكتوراه مش برضه انت من بتوع الفلكلور الشعبي ولا انت ملحن من بتوع اليومين دول بتدور علي تيمه ضايعة...زادت الدهشة لدي والفضول, اه ياشيخ ماذا تظن انك لازلت مطمعا لاحد, انك لم تفقد قيمة تدعيها لنفسك بين الأحياء, أولازال يداعبك الأمل في شي من الحياة وانت بهذه الحالة ربما..قلت متأثرا بما أنصرف له قلبي: او تسمح لي بتسجيل الكلمات والألحان في جلستنا هذه بل وتقول للصبح كما وعدتني؟ قال لي: بالطبع بل وكل يوم لو انك رايت ذلك فيه افادة قلت له: من اين تعلمت تلك الأصوات. مال علي وقال همسا: لم تفترض اني ولدت ضريرا شحاذا بلا عافية بالرغم مني ضحكت من طريقة نطقة المتلونة, اخرجت الموبايل وأدرت التسجيل وكأنه أحس فأعتدل واستقر علي الكرسي وبقوة انطلق: أصلي بجدرم الصعيد, ويمكن كمان نوبي اناما خبرش ان كان اكيد وده يفرق ايه في توبي, احلامي فوق الوصف وبتبتدي من هنا لبعيد, انما والدنيا حوجانا لمد الأيد, واللقمة والهدمة مهمازو لجام ونخسهم شديد يسوي ضهري وش وقفا سخمة العديد اش يعمل العمر المديد, وكل السنين والايام وكام الف الف عيد, وحقي في الضنك بيزيد وحقي م الحياة مهضوم والعيشة زي الشريد,هج المهندس والطبيب واللي ضاع في البحر غايب اوياعالم مات شهيد, الظلم طخ عيار نافد علي كلمتي وبسمتي وضنا عشر تلاف بلد, والسوق بلع الصبايا والعيال الخضر اللي اتفطم واللي اتولد, مليون غلطة ع الرصيف حتي الرغيف بقي بالجلد, والناس في الدوخة ومش حاسين نهش الجسد, زحف الخراب سكاكين حديد وانفار ومعاول هدد, بصوا علي اللي جاي يا مغيبين نمل وجراد, جالبين وراهم عدة وعتيد ومدد, وتزيد الحروق والشقوق اتسدي بقي اتسدي يا آهات من غير عدد وآه يا بلد آه يابلد؟ وأنا أجمع شتات الكلام من العيون والاوجه التي شدها حضوره الطاغي علي مسرح المقهي اسكته: يكفي.. استرح قليلا انفعالك أفلت من اسر العقل يحسن ان نتناول شيئا اخر بل ربما نأكل يا..... أومأ برأسه وسمعت اصواتا خفيضة من الجالسين: اتركه يقول اكثر..صوته مؤثر اعد تلك التي شهق فيها..كيف قال تلك الجميلة..انظروا اليه..هل حقا هو شاعر..اظنه ملحن الاتري كيف يؤدي الموال..لمحت شبح ابتسامات مع ما انعقد من حاجبيه واظنه كان يصغي السمع لما يدور, كان هناك المزيد مما قاله في تلك الليلة, انصرف رواد المقهي ببطء علي اذان الفجر, كنت قد سجلت عدة ساعات اشياء لا اعرف بالضبط مانفعها بالنسبة لي, نفخته ما في حافظتي بعد سداد الطلبات, مع وعد بأن احضر المزيد من الوقت معي والنقود أنشدني شهرا تاريخ من لا تاريخ لهم صورا ومواقف بالنغمات عاندت الاوزان كثيرا وصالحتها أو صافحتها..وقطرت الإ بحر واغرقتها, أهي الفطرة ام التمكن من مخالفة ذات الاصل, هكذا اخبرني الوقت الاحيلة وراء الصوت والشدوا الموهوب أنة إنسان اوان القصة نبض الشخص بطلا كان او كذابا او أنها لا قصة علي الاطلاق.. قصة قصيرة أحمد محمد جلبي