يبدو أن رياح التغيير التي عصفت بدول الربيع العربي منذ بدايات عام2011 وصلت إلي شبه جزيرة البلقان وسوف تستمر حتي تنجح في الإطاحة بالحكومة المقدونية, فقد بلغ الغضب مداه في جمهورية مقدونيا التي تشهد أسوأ أزمة سياسية منذ استقلالها عن يوغوسلافيا السابقة عام1991, فخرج المتظاهرون أمس إلي شوارع العاصمة سكوبيي بعشرات الآلاف احتجاجا علي ما يصفونه بفساد الحكومة وتفشي الرشوة بين المسئولين وتكميم الأفواه والتجسس علي المكالمات الهاتفية الذي كشف عنه مؤخرا مطالبين باستقالة رئيس الوزراء نيكولا جروفسكي. المحتجون أكدوا أنهم سيحتلون الشوارع حتي رحيله. تجمعت حشودهم ومن بينهم الأقلية الألبانية التي تشكل ثلث تعداد البلاد الذي يزيد قليلا علي المليوني نسمة في الساحة الرئيسية أمام مكتب رئيس الوزراء للتعبير عن غضبهم, في مشهد يذكر بتظاهرات ميدان التحرير بوسط القاهرة في الخامس والعشرين من يناير2011, خاصة بعد إعلان قادة المعارضة أن عددا من المحتجين يعتزمون نصب الخيام في الشوارع حتي يستجيب جروفسكي لمطالبهم ويقدم استقالته. الغرب حاضر بقوة في مقدونيا كعادته في مثل هذه الأحداث بعد تعليق عدد من المراقبين الغربيين علي مسألة تنصت الحكومة المقدونية علي المكالمات الهاتفية لأكثر من20 ألفا من الحلفاء والمعارضين والصحفيين والقضاة وشخصيات أخري خلال فترة حكم جروفسكي منذ تسع سنوات واعتبارها مثيرة لشكوك خطيرة بشأن الديمقراطية في هذه الجمهورية اليوغوسلافية السابقة التي أوشكت علي الدخول في حرب أهلية عام2001 بعد حركة تمرد ألبانية مسلحة. ورغم أن جروفسكي حاول احتواء الأزمة بإقالة وزيري النقل والداخلية ورئيس الاستخبارات منذ أيام لامتصاص غضب المتظاهرين وإثنائهم عن مطالبهم, إلا أنه عاد ودعا مؤيديه إلي التظاهر اليوم, في خطوة تبدو غير محسوبة تنذر بحدوث مواجهات عنيفة بين الطرفيين قد تؤدي إلي الفوضي والفلتان الأمني بعد أن حسم المتظاهرون أمرهم وقرروا مواجهة من وصفوهم بالمجرمين, أحدهم واسمه أندريه بوبوسكي جاء إلي العاصمة من بلدته التي تبعد130 كيلومترا جنوبي سكوبي أكد أنه أغلق متجره وحزم أمتعته وجاء للمشاركة في التظاهرات مؤكدا أن مكان المسئولين السجن وليس الحكومة, بينما جروفسكي يعتبر التراجع جبنا ويؤكد أنه سيواجه ما وصفه بالهجمات, ما يزيد الأزمة تعقيدا. زوران زائيف زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين المعارض الذي يواصل كشف الحكومة ببث تلك التسجيلات الصوتية منذ فبراير الماضي يؤكد أن الحكومة تسيطر علي وسائل الإعلام والمحاكم وسير الانتخابات, بينما يتهم جروفسكي جواسيس أجانب بإجراء هذه التسجيلات ويزعم أنهم تلاعبوا بها, كما اتهم زائيف بممارسة العنف ضد الدولة. دبلوماسيون غربيون في سكوبي زعموا أنهم يحاولون التوسط بين الحكومة والمعارضة لحل الأزمة في الوقت الذي يشككون في التزام الحكومة بالديمقراطية والقيم الأوروبية. وتأتي هذه التظاهرات بعد أسبوع من مواجهات عنيفة بين قوات الأمن المقدونية ومجموعة من أصل ألباني مما أسفر عن سقوط22 قتيلا بينهم ثمانية شرطيين في كومانوفو. ولم تنجح سكوبيي المرشحة منذ عشر سنوات للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي والناتو في تحقيق تقدم في هذين الملفين بسبب معارضة اليونان التي تنكر علي جارتها حق استخدام اسم مقدونيا الذي تعتبره اسما يونانيا تاريخيا. من جانبها اتهمت روسيا الغرب بمحاولة إشعال فتيل ثورة ملونة في مقدونيا والتدخل عمدا في شئونها الداخلية لتعزيز مصالحه هناك. في كل الأحوال, وبعيدا عن الأدوار التي قد تكون أجهزة استخبارات قد لعبتها في هذا البلد, يبدو أن سيناريو الثورة أو الانتفاضة الشعبية الذي تكرر في أكثر من بلد عربي استوفي كل شروطه في مقدونيا ولم يعد هناك من احتمال سوي رحيل جروفسكي, وأن هذه النتيجة لا تحتاج إلا لمزيد من الوقت لكي تكتمل.