يخطئ من يظن أن المصادمات التي وقعت منذ يومين بين يهود الفلاشا المقيمين في إسرائيل وبين شرطة الاحتلال في تل أبيب والتي أصيب خلالها أكثر من50 شخصا من الطرفين كانت مفاجأة لأحد, لأن إحساس هذه الجماعة المنحدرة من أصول إثيوبية بما يمارس ضدها من تمييز قائم علي لون البشرة يمارس ضدهم من اليوم الأول لوصولهم إلي الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يزعم الإسرائيليون وأغلب يهود العالم ذوي الميول الصهيونية أنها أرض الميعاد. وكان يتعين علي الفلاشا أن يعبروا عن سخطهم من هذا التمييز منذ وصولهم. فالتمييز هو المنهج الذي يحكم طريقة معاملة كل الجماعات اليهودية في هذا الكيان الصهيوني منذ نشأته عام1948 من جانب اليهود الغربيين( الأشكناز) الذين يحتكرون العمل في المؤسسات الكبري ويتبوءون المناصب الإدارية العليا والوظائف السيادية, ضد اليهود الشرقيين( السفرديم) وغيرهم من الجماعات اليهودية الأخري. مظاهرات الفلاشا أوفلاش مورا وفقا للكنيةالعبريةليهودبيتنا إسرائيل القادمين من الحبشة تأخرت كثيرا إذ كان يفترض بها أن تندلع قبل سنوات بسبب المعاملة الدونية التي لاقوها في إسرائيل, فهم هاجروا إليها بكامل إرادتهم في عملية أطلق عليها وقتها اسم أجنحة الحمامة بدأت في29 أكتوبر2012, وانتهت في أكتوبر2013 بتهجير نحو5 آلاف يهودي إثيوبي بوصولهم إلي مخيم جودار, بناء علي قرار2948 لسنة2003 من جانب حكومة الاحتلالالإسرائيلية الذين سمح لهم بالهجرة بموجب قانون اعترف بهقضاة الهالاخاه وتعني المذهب ويقصد بها الشريعة اليهودية, بالرغم من وجود معارضين بينهم لمسألة الهوية اليهودية يزيد عددهم باطراد, وأغلب هؤلاء المعارضين من العلمانيين. عنصرية إسرائيل وانتهاكاتها لكل الأعراف والقوانين مبدأ أصيل وسياسة ثابتة لهذا الكيان الصهيوني منذ نشأته, تمارس ضد الفلسطينيين في صورة مصادرة أراض وقتل وتشريد ونهب ثروات, كما تمارس أيضا ضد اليهود الأقل مرتبة ومن بينهم الفلاشا وهي السلالة الحبشية من اليهود الذين أجبروا علي ترك دينهم والاستجابة الطوعية والقسرية لحملات التنصيرفي بلادهم خلال النصف الثاني منالقرن ال19, قبل أن يعودوا للتهود مرة أخري, ثم يقرروا السفر إلي إسرائيل استجابة للوعود المعسولة من جانب الاحتلال بما سيحصلون عليه من امتيازات في الأرض الموعودة! لم يجدوا إلا الاضطهاد والتهميش والعنف أيضا, وهو ما دفعهم للاحتشاد بالآلاف في ميدان رابين للتعبير عن رفضهم لهذه المعاملة بعد تداولهم لمقاطع الفيديو التي ظهر فيها جنديان من جنود الاحتلال الإسرائيلي يعتديان بالضرب علي زميلهما بسبب لون بشرته السمراء لانتمائه ليهود الفلاشا, فخرجوا ينددون بشعارات مناوئة لحكومة الاحتلال يرددون شعارا لا أسود ولا أبيض كلنا بشر. محاولة نيتانياهو امتصاص غضب الفلاشا خلال اجتماعه الذي عقده أمس لبحث أوضاعهم مع مفتش شرطة الاحتلال العام الجنرال يوحنان دانينو وممثلين عن وزارات الأمن الداخلي والرفاه الاجتماعي والاستيعاب والداخلية ومركز الحكم المحلي, ولقائه بالجندي الأسود الذي تعرض للضرب, قد تسفر عن تهدئة الأوضاع مؤقتا, ولكنها لن تنجح في إزالة أسباب الاحتقان لأنها مبنية علي معاناة حقيقية, وتمييز عنصري ممنهج يستحيل تغييره, ولهذا ليس من المستبعد عودتهم للتظاهر مرات أخري قادمة, كما لا يستبعد لجوؤهم للعنف. يذكر أن عدد الفلاشا المقيمين في إسرائيل يزيد علي135 ألف شخص يشكو أغلبهم من التهميش, شأنهم شأن باقي الجماعات اليهودية الأخري مثل السفرديم, وما يعزز من الاعتقاد بعودتهم إلي الاحتجاج من جديد فشل محاولات سابقة للقضاء علي ظاهرة التمييز في إسرائيل جرت عام1950 من خلال ما سمي بجيل الصايرة الذين ولدوا في إسرائيل ولا يعرفون وطنا بديلا, ومع ذلك استمر التمييز بسبب لجوء اليهود الروس علي سبيل المثال إلي إيجاد مدارس وصحف ومؤسسات اجتماعية خاصة بجماعتهم, وميلهم إلي التحدث بلغتهم الأصلية أكثر من العبرية للحفاظ علي تميزهم. في المقابل سيظل يهود الفلاشا يشعرون بالمهانة والذل في مهجرهم, وستظل جماعتهم تعاني من تفشي نسب البطالة وتجاهل مطالبهم وحقوقهم في السكن والرفاهية الاجتماعية التي تتمتع بها باقي التجمعات اليهودية والاستيطانية داخل هذا الكيان العنصري.