نشطت حملة دولية واسعة للمطالبة بحرية المخرج الإيراني العالمي الكبير جعفر بناهي, الذي حكمت محكمة إيرانية عليه بواحد من أغرب الأحكام في تاريخ القضاء العالمي, وهو السجن لمدة ست سنوات ومنعه من الإخراج أو مغادرة إيران لمدة عشرين عاما.. وأدان النقاد المصريون الحكم, وقالت جمعية نقاد السينما المصريين في بيان إنه سياسي وليس قضائيا, وإنه شاذ في نوعه وفي طبيعته الاستبدادية دون تهمة قانونية واضحة سوي أن بناهي جاهر, مثله مثل الملايين الآخرين, بالوقوف مع المرشح المعارض للرئيس الإيراني في انتخابات الرئاسة الماضية. واستنكر البيان هذا الاعتقال المستبد وأهاب بكل مثقفي وسينمائيي العالم ومنظمات المجتمع المدني الوقوف بجانب المخرج الإيراني الذي مارس حقه الديمقراطي في التعبير السياسي والسينمائي حتي يتم الإفراج عنه. وترفض السلطات الإيرانية الاستجابة للنداءات المحلية والدولية الملحة لإطلاق سراحه, ومنها عدة رسائل مناشدة للمدعي العام الإيراني مذيلة بتوقيعات مئات السينمائيين والمثقفين من عشرات الدول حول العالم, ومجموعة علي موقع فيس بوك الإلكتروني باسم أطلقوا سراح جعفر بناهي تضم أكثر من خمسة آلاف عضو. ورغم عدم إعلان أسباب الاعتقال, يعرف الجميع أن بناهي دفع حريته ثمنا لمعارضته الصريحة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, والتي جعلته هدفا دائما لنظام الملالي الحديدي, فقد اعتقل لأول مرة لفترة قصيرة في صيف2009 مع عائلته بعد أن حضر حفل تكريم ندا أغا سلطان, الشابة التي قتلت خلال مظاهرات الاحتجاج علي إعادة انتخاب نجاد في يونيو من نفس العام, والتي تحولت إلي رمز للمعارضة. وتم هذا الاعتقال الأول أمام مقبرة ندا, حيث أقيم حفل التأبين. كما منع بناهي من مغادرة إيران منذ أن أكد علنا دعمه المعارضة خلال مهرجان أفلام العالم في مونتريال أغسطس2009, وارتدي الكوفية الخضراء, رمز المعارضة. وحال المنع دون مشاركته في فبراير الماضي في مهرجان برلين, الذي تلقي منه دعوة رسمية. واعتقل المخرج الكبير للمرة الثانية في أول مارس الماضي مع زوجته وابنته و14 آخرين أثناء حفل خاص في منزله, وبعد أيام أفرج عن الجميع بمن فيهم زوجته وابنته, وبقي هو ومخرج آخر يدعي محمد رسولوف في سجن إيوين شمال طهران. ولم يفرج عن بناهي إلا في أواخر مايو الماضي, بعد قرابة ثلاثة شهور من اعتقاله, بكفالة200 ألف دولار, علي ذمة قضية لم تعلن السلطات الإيرانية أبدا عن تفاصيلها, وإن كان المدعي العام للبلاد قد وصفها بالجنحة. وأثناء فترة السجن, لم يتمكن من رؤية محاميه وأسرته إلا في اليوم الثاني والثمانين لاعتقاله, واليوم الخامس لإضرابه عن الطعام حتي الموت, الذي كان قد بدأه ليس فقط لاستمرار اعتقاله من دون أي سبب معلن, ولكن أيضا احتجاجا علي تعذيبه وسوء معاملته من قبل جلاديه. وبعث رسالة مؤثرة لمن يهمه الأمر من محبسه ذكر فيها ما يتعرض له من تعذيب وسوء معاملة, وشرح الظروف التي دفعته لبدء الإضراب عن الطعام, كما حدد مطالبه وشروطه لإنهاء الإضراب, وهي: الاتصال بأفراد أسرته ورؤيتهم, والضمان الكامل لأمنهم وسلامتهم, وتوكيل محام عنه, والحرية غير المشروطة حتي يوم محاكمته وصدور الحكم النهائي. وفي إطار النداءات المحلية والدولية لإنهاء المأساة, طالب85 مخرجا إيرانيا معظمهم من الشباب بالإفراج عنه, ووقعوا رسالة كتبوا فيها: نحن الموقعين أدناه, مجموعة من المخرجين المستقلين, نريد الإفراج عن جعفر بناهي وعملا سريعا يتصل بوضعه وطلباته في السجن. ودعت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية حكومة طهران لإطلاق سراحه, داعية جميع الهيئات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان وكذلك نقابات واتحادات وجمعيات الفنانين والكتاب والمخرجين إلي إدانة اعتقاله والمعاملة اللاإنسانية التي تعرض لها, والعمل علي إطلاق سراحه والسجناء السياسيين الآخرين. وفي الولاياتالمتحدة, وقع ما يقرب من20 من مشاهير مخرجي وفناني هوليوود خطابا جماعيا طالبوا فيه حكومة طهران بالإفراج عن بناهي, ومنهم ستيفن سبيلبرج, ومارتن سكورسيزي, وفرانسيس فورد كوبولا, وأوليفر ستون, وروبرت ريدفورد, والأخوان كوين, وروبرت دي نيرو, وستيفن سودربرج, ومايكل مور, وتيرانس ماليك, وآنج لي, وجيم جارموش. وكان الحكم قد صدر في20 ديسمبر الماضي, وقالت المحامية فريدة خيرت, كما نقلت عنها وكالة ايسنا الطلابية: حكم علي بناهي بالسجن ست سنوات لمشاركته في تجمعات, واتهامه بالتشهير بالنظام. وأوضحت: لقد منع أيضا من إنتاج الإفلام وإخراجها, وكتابة السيناريوهات, والسفر إلي الخارج, أو الإدلاء بأحاديث لوسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية خلال العشرين عاما القادمة. وأكدت أنها ستستأنف هذا الحكم. كما حكم علي المخرج الآخر رسولوف, الذي كان يعمل في فيلم مع بناهي وقت اعتقاله, بالسجن ست سنوات لإدانته بتهم مماثلة, كما أعلن محاميه إيمان ميزاده لنفس الوكالة. جعفر بناهي, المولود في ميانه بإيران عام1960, من أهم مخرجي الجيل الجديد أو الموجة الجديدة من السينمائيين الإيرانيين, ويحظي بتقدير دولي كبير.. درس السينما في طهران, وعمل مساعدا للمخرج الإيراني الشهير عباس كياروستامي, وقدم أول أفلامه البالون الأبيض عام1995, وحصل به علي الكاميرا الذهبية جائزة العمل الأول من مهرجان كان.. وفاز فيلمه الثاني المرآة بالفهد الذهبي في لوكارنو.1997 ورغم منع فيلمه الثالث الدائرة في إيران, فقد عرض في40 دولة وحصل علي18 جائزة دولية, أهمها أسد فينيسيا الذهبي2000. ومنعت طهران أيضا فيلمه الذهب الأحمر, إلا أنه فاز بجائزة لجنة تحكيم قسم نظرة ما بمهرجان كان2003, كما فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان شيكاجو.. أما آخر أفلامه تسلل, فقد فاز بالدب الفضي في برلين.2006 وكان المخرج الكبير قد قال في مونتريال في آخر تصريحات له خارج إيران إنه يخشي أن يضطر للتوقف عن الإخراج بسبب الرقابة الصارمة في إيران, وإن العاملين في الرقابة يقتلون الإبداع من خلال حذفهم أي مشهد أو كلمة يعتبرونها مناهضة لقيم الثورة الإسلامية قبل أن يسمحوا بعرض العمل الفني, وإن لديهم حساسية من بعض المخرجين, وحتي قبل أن يشاهدوا الفيلم يكونون قد اتخذوا قرارهم, ويجتهدون في العثور علي أصغر الثغرات لتنفيذ ما قرروه. ومما قاله إن الرقباء يعقدون الأمور كثيرا علي المخرجين ولا يتركون أمامهم سوي خيار إنتاج أفلامهم خارج إيران, لكنه أكد أنه لن يفعل ذلك, وفي نفس الوقت لن يحذف أي مشهد من أفلامه ولن يسمح لأحد بالمساس بها لأنها ستكون في هذه الحالة أفلاما أخري.