الحياة حلوة تعرف العالم اجمع في عام 1998 علي روبيرتو بينينيي عندما فاز فيلمه' الحياة حلوة' بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي من لجنة تحكيم يرأسها مارتين سكورسيزي ومع فوز بينينيي بأوسكار أحسن ممثل وفوز الفيلم بجائزتي أوسكار أخريين هما أحسن فيلم وأحسن موسيقي تصويرية, احتلت أخبار بينينيي الصفحات الأولي في جميع جرائد العالم. لقد أصبحت الحياة حلوة بالفعل بالنسبة لبينينيي ودخل التاريخ من أوسع أبوابه, ليلتحق بمن سبقوه من عمالقة الكوميديا الإيطالية الذين اتسمت نوعية الكوميديا التي قدموها بكونها نقدية اجتماعية, مدرسة بدأها العملاق شابلن في أفلامه منذ السينما الصامته وكان امتدادها في ايطاليا مع مخرجين مثل دي سيكا ودينو ريزي وبيترو جيرمي, وبعض أعمال فيليني, وغيرهم من المخرجين. أصبح بينينيي في مصاف كبار الممثلين الإيطاليين أمثال فيتوريو جاسمان, والبرتوسوردي, وماستورياني. خلط بينينيي في فيلمه بين الكوميديا والتراجيديا, فجمع بين شكسبير وموليير في عمل واحد, وان كانت هناك روح وجو فيلم شارلي شابلن' الديكتاتور' في فيلم بينينيي الحياة الحلوة. يحكي الفيلم عن اليهودي الايطالي جويدو اوريفيتشي الذي يهبط العاصمة روما مع صديق له حاملا معه أمالا كبيرة, من أهمها حلمه بأن يصبح صاحب مكتبة و لكنه لا يملك حتي ألان ما يساعده علي تحقيق حلمه. للوهلة الأولي مع دخول جويدو العاصمة نحس بالمناخ الذي تعيش فيه روما مع حشود الجماهير التي تحيي الفاشية, ورغبه جويدو في تفريق الزحام من اجل أن تمر سيارة صديقه الذي يقله معه فيها, فيخرج يده من النافذة فتتصور الجماهير انه يقوم بالتحية الفاشية فتبادله التحية. مشهد البداية هذا يذكرنا بمشهد في فيلم' الديكتاتور' لشابلن, فهو يعكس روح سيطرة فكرة الفاشية و النازية علي الجمهور. تعامل بينينيي مثل شابلن مع القهر النازي و الفاشي علي انه موقف معاد للإنسانية جمعاء, وليس موجها لصالح فئة بعينها, بالرغم من كونهما هما الاثنان من اليهود داخل فيلم كل منهما. فقد كان شابلن سياسيا أكثر مع إظهاره شخصية هتلر داخل الفيلم و انقلابه علي اليهود من بعد توقفهم عن تمويل الحرب, أما بينينيي فاكتفي بالجانب الإنساني محولا محنه اليهودي إلي محنه لإنسان عادي يواجه القمع, كما يواجهه الكثيرون حتي يومنا هذا. الجزء الأول من' الحياة حلوة' قد يكون مجرد فيلم كوميدي عادي من نوعية الكوميديا العاطفية التي طالما نجح بينينيي في تقديمها, والتي برزت من خلال عمله في المطعم وحبه لحبيبته' دورا' وسعيه للحصول علي رضاها ومنافسته في حبها مع موظف بيروقراطي كبير, وزواجه منها ولهوه مع طفله' جيوسوي' ولكن في الجزء الثاني من الفيلم عندما يرحل' جويدو' و' جيوسوي' لمعسكرات الاعتقال النازية يتحول الفيلم للكوميديا السوداء. وكما نجح شابلن في الديكتاتور مع تيمة كوميدية قديمة الشبه بين هتلر و شابلن? من اجل تمرير خطاب سياسي, حيث يحتل الحلاق شابلن محل هتلر ليلقي خطابا سياسيا معاديا للنازية, ينجح بينينيي مع تيمة كوميدية جديدة شديدة الإبداع وهي إقناع ابنة أن معسكر الاعتقال ليس سوي لعبة الغرض منها الفوز بدبابة. وهدفه من هذا بيان أن عزيمة أي إنسان مهما كان ضعيفا يمكنها أن تتغلب علي اشد المحن. لم يقدم بينينيي فيلما دعائيا عن عذابات اليهود بغرض إحراز مكاسب سياسية, بل قدم فيلما يبرز قوة الإنسان في مواجهة القمع, فنحن لم نشاهد تعذيب الحرس النازي لا معتقلين, ولا غرف الغاز, ولا غيرها من التيمات التي اعتدنا علي مشاهدتها في مثل تلك النوعية من الأفلام. صحيح أن الفيلم يحمل في داخلة عناصر الميلودراما, الأسرة المتماسكة في مواجهة غدر الزمان, وعناصر البطولة الفردية العزيزة علي السينما الهوليودية, وبالذات لبطلها المتوج فرانك كابرا وأفلامه التي تعلي من شان الفرد علي حساب أية حركة اجتماعية, ولكن الفيلم مع ذلك وقف ضد ظاهرة إرهاب الذاكرة الجماعية الذي تمارسه الجاليات اليهودية في أوربا لصالح الصهيونية وإسرائيل, الدولة العبرية التي تتخذ من الأساطير الحديثة و القديمة ذريعة لقيام كيان قمعي لا يختلف كثيرا عن النظام النازي أو الفاشي. عام1998 يقدم بينينيي دورا في فيلم الفرنسي' استريكس واوبليكس ضد سييزار' من اخرج كلود زيدي عن قصة من قصص الكوميكس الفرنسية الشهيرة في شهرة' تاتان' وكلبه ميلو. في عام2002 يخرج ويمثل دور العروسة الخشبية' بينوكيو' التي تتحول إلي طفل تطول انفه عند كل مرة يكذب فيها, قبل أن يقابل جيم جارا موش من جديد في' قهوة وسجائر' في2003 وهو فيلم في أجزاء عبارة عن مجموعة من الاسكتشات. الحياة ليست حلوة في العراق في عام2005 يقدم بينينيي تحفة خالدة جديدة بنفس روح' الحياة حلوة' حيث الحب في مواجهة الوحشية انه فيلم' النمر و الجليد' الذي يحكي عن اتيليو أستاذ الآداب و الشعر, مطلق ولديه بنتان, يحلم بحب صحفية تصده ولكنه يرغب في الزواج منها فتقول له هذا لن يحدث إلا عندما' ينهمر الجليد علي ظهر نمر' بينينيي الذي كان له موقف معارض من غزو العراق قدم فيلما عن الحرب وما تفعله في الإنسان, عن حضارة العرب الذين صورهم الغرب علي أنهم بشر متوحشون متعطشون للدماء. فقد سافر اتيليوللعراق عند معرفته أن حبيبته الصحفية سافرت للعراق في مهمة صحفية, و أنها في غيبوبة هناك فيلحق بها متخفيا تحت ستار منظمة إنسانية تنقل المعونات الطبية للعراق وبمساعدة صديق له, شاعر عراقي يقوم بدوره الممثل الفرنسي جان رينو في العراق, ليقدم المأساة في قالب كوميدي, فهو يمسك مسافرة أجنبية, وقد سافرت بمضرب للذباب معلنا انه اكتشف أسلحة الدمار الشامل, ينقل المعدات الطبية علي دراجة من اجل المرور من نقاط التفتيش, وعندما يريد أن يقايض احد ناهبي بغداد علي أنبوبة أكسجين تستخدم في رياضة الغطس لإنقاذ حياة صديقته يظن السارق إن ما يعطيه له من نقود هو ثمن كل ما سرقه فيترك له الحمولة كلها و يهرب بالنقود. وهو مشهد شديد الروعة يبين أن الفقر في العراق بعد الحصار جعل الأشياء تباع بأبخس ألاثمان إذا كانت النقود أجنبية, حيث لا قيمة للعملة العراقية إمام العملات الأخري. وجود شخصية الشاعر العراقي الذي ينهي حياته منتحرا في الفيلم, وعمه الصيدلي الذي يقوم بتحضير أدوية من الإعشاب, هو اختيار من قبل بينيني لشخصيات عراقية تنتمي للحضارة للتأكيد علي أن العراق امة ذات حضارة منذ قديم الأزل وإن العراقيين ليسوا همجا برابرة كما تريد أمريكا ومعسكر الغرب المؤيد لها تصويرهم. الفيلم قصيدة حب للإنسانية في مواجهة البربرية المتخفية بقناع حضاري, وكما هو الحال في' الحياة حلوة' فان الفرد مهما كان ضعفه يمكنه الوقوف في مواجهة الطغاة أيا كانوا, أو كما قال شوبنهاور الفيلسوف الألماني الذي قرأ بينيني فقرات من كتابه العالم في فيلم' الحياة حلوة' عندما تريد فانك تستطيع, وقد أراد اتيليو) بطل' النمر والجليد' ونجح في جعل الجليد يتساقط علي ظهر النمر, وأدركت حبيبته الصحفية مدي حبه لها عندما خاطر بحياته لإنقاذ حياتها. [email protected]