لا يختلف اثنان علي أن المنطقة العربية تمر بواحدة من أسوأ مراحلها, وأخطر أزماتها بعدما أصبحت أرضا للحروب, وبؤرة للإرهاب, وبيئة للصراعات والتجاذبات الإقليمية والدولية. فبين الاقتتال في العراق, والحرب في ليبيا وسوريا, والحرب علي اليمن. وبين تهديدات داعش وخطر الإرهاب, بكل تصنيفاته وتسمياته, وما تتعرض له مصر من هجمات منظمة, وما تعرضت له تونس, من قبل, وما يحاول المغرب بقوة وحرص منع وقوعه من ضربات إرهابية نوعية. بالإضافة إلي ما يحدث من فتن بين السنة والشيعة لإقامة صراع ديني مذهبي, تحول إلي حرب معلنة, أثبت أنه أكثر تأثيرا وأقل تكلفة للأطراف الإقليمية والدولية التي تستخدمه بديلا للسلاح والاستعمار.. كلها وقائع تدل علي أن المنطقة تمر بتحولات عميقة ستكون لها نتائج وخيمة علي تماسك كيانات الدول العربية, وحماية سيادتها واستقلالها بعدما تعذرت فكرة التعايش بين الأطياف المختلفة التي تمثل أولي لبنات أي نظام ديمقراطي. عرفت المنطقة العربية تغيرات جذرية مع بداية2014, فبعدما كانت الاستراتيجية في عهد بوش هي السيطرة علي المنطقة من خلال التدخل العسكري المباشر. وبعد إثبات هذه الاستراتيجية فشلها مع حرب العراق, تم اتباع سياسة جديدة تعتمد علي توازن القوي بين الجهات الفاعلة في المنطقة, فكانت علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية بإسرائيل والمملكة العربية السعودية, بالإضافة إلي تركيا الحليف الاستراتيجي, جيدة علي مدي عقود, إلي أن ظهرت الدولة الإسلامية التي احتلت مساحات كبيرة من الأرض, وأعلنت قيام دولة الخلافة, في العراق ثم سوريا وليبيا المفككة, التي تحولت إلي حاضنة للإرهاب. فتغيرت الخريطة وتغيرت الاستراتيجية وتغير معها الحلفاء, وتحولت إيران, المعزولة منذ الثورة الإسلامية, إلي شريك أساسي لمواجهة الخطر الداعشي, حيث لم يتوان أحد دبلوماسييها السابقين من الدول بأنها البلد الأكثر استقرارا في المنطقة, المحاطة باضطرابات الدول العربية المجاورة التي تعمل جماعات متطرفة علي زعزعتها, وبأنها أفضل حليف للغرب. وبعد أن وقعت المنطقة العربية تحت تهديد داعش, وقبلها فريسة تداخل القوي وتضارب المصالح وما أفرزته من تنظيمات إرهابية وميليشيات مسلحة, أصبح ما تصل إليه نتائج الصراع الحرب في دولة يؤثر علي مجريات الأحداث في دولة أخري. وما التدخل العسكري السعودي في اليمن إلا نتيجة فشل اقتلاع سوريا من المدار الإيراني, ورد علي التمدد الإيراني في العراق, ونجاح إيران وحلفائها في حماية نظام الأسد, وما يمثله من حلقة وصل مع حزب الله في لبنان. وسقوط اليمن في يد الحوثيين يعني توسع إيران في المنطقة, وتضييق الخناق علي السعودية, وهذا ما يفسر تحرك المملكة عسكريا لإيقاف المد الإيراني, وحماية مصالح السعودية والدفاع لاسترجاع دورها الإقليمي, قبل الاتفاق النهائي الذي سيحرر إيران من كل العقوبات المفروضة عليها, وسيزيد من بسط نفوذها بعد أن أقنعت الغرب بأنها حليف سلمي يمكن الاعتماد عليه, وإن كان الثمن هدر المزيد من الدماء أو إعادة تشكيل خريطة المنطقة. المنطقة العربية تعيش حربا مفتوحة, والكل يبحث عن بسط سيطرته عليها بوصفها منطقة نزاع, والقوي الإقليمية والدولية وجدت في هذه الحرب فرصة لتحقيق بعض التوازنات أو لإثبات حجمها وفرض دورها وقوتها. لكن مع تسارع وتيرة الأحداث وتفاقم مخاطر الإرهاب وازدياد تهديدات التقسيم لابد من استحضار المصلحة العامة التي تجنب المنطقة مغبة السقوط في المحظور الذي يصبح فيه التفكك غاية سهلة والوحدة الجغرافية مهمة مستحيلة. لابد من اعتماد الحل السياسي في اليمن عن طريق المصالحة الوطنية باعتبارها الطريق الوحيد للاستقرار, وجمع أبناء الوطن بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم تحت راية واحدة. ولابد من دعم مبادرة العودة لطاولة الحوار لجميع القوي السياسية المتنازعة في ليبيا, والأهم لابد من توحد كل القوي العربية لمواجهة الإرهاب. الصورة قاتمة, ومازلنا ننتظر خيط النور الذي يبدد عتمة المكان.