كان موسم الربيع فرصة لانطلاق كبار مطربينا من حالة البيات الشتوي إلي حفلات يحيونها ويقدمون خلالها ما أعدوه طوال أشهر سابقة وجهزوه لجمهورهم من كلمات راقية ذات معني وألحان شرقية أصيلة بعد تدريبات وبروفات تستغرق منهم وقتا وجهدا,فيتسابق نجوم ونجمات الطرب نجاة ومحرم فؤاد وشادية وسعاد محمد ومحمد رشدي وصباح وشهر زاد وماهر العطار وعبداللطيف التلباني وشريفة فاضل ومحمد قنديل وغيرهم من القامات الغنائيةعلي تقديم ابداعاتهم الجديدة,كما كان بليغ حمدي ومحمد سلطان يدخلان حروبا بالوكالة عن زوجتيهما وردة الجزائرية وفايزة أحمد لما كانت بينهما من معارك غنائية حامية الوطيس لم تنته إلا عندما ذهبت وردة لزيارة كروان الشرق فايزة أحمد قبل رحيلها بأيام, ورغم كل هذه المنافسات والمشاحنات التي كانت تتصاعد بين المطربين والمطربات يظل فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ هما صاحبا الرصيد الأكبر من المنافسة الأكثر حدة, والغيرة الفنية التي لاتعرف حدودا, وكانت حفلات شم النسيم تحديدا تشهد حروبا معلنة وخفية تستخدم فيها كل أسلحة التجسس والتمويه وإفساد حفلات المنافسين, كما توزع خلالها النفحات السخية وكعكات الرضا علي المقربين من المريدين والمؤيدين والأتباع. عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش عنوان كبيرللتنافس الفني بشتي صوره وأبعاده, وتاريخ عريض في دنيا الموسيقي والطرب, فمتعدد المواهب فريد الأطرش, ملك العود, وفارس التلحين, وصاحب الصوت الملئ شجنا وفوق كل هذا النجم السينمائي الذي حققت أفلامه ال31 التي بدأها ب انتصار الشباب مع شقيقته أسمهان1941وختمها ب نغم في حياتي1975 نجاحات مبهرة,جعلته جديرا بالاستمرارعلي تربع قمة النجومية التي هوي منها الكثير وأفسحوا المجال طوعا أوكرها للعندليب منذ أن وطأت أقدامه الساحة الفنية طربا عام1951 وتمثيلا1955, لتشتعل جذوة المشاكسة بين الثنائي, والتي كان صاحب ضربة البداية واليد الطولي فيها الأصغر سنا, حيث يصغر حليم فريد بعشرين عاما, إلا أن اللافت للنظر أنه رغم كل هذه الصراعات كان كل منهما يقدر موهبة وقيمة الآخر, فقد كان فريد حريصا تمام الحرص علي التلحين لحليم,كما أن حليم لم ينكر إعجابه بفن فريد وتأكيده علي أن رائعة الربيعهي أفضل ما يصلح لمناسبة أعياد الربيع وشم النسيم. ثمة مواقف ثلاثة أوجعت قلب العندليب وتألم منها أشد إيلام عبرمشوار مشاغباته مع فريد, أولها منح الأطرش لحن ياواحشني رد عليا لمحرم فؤاد, المنافس الذي أظهره لعبدالحليم ملحنين كبارعندما شعروا بتوجه بوصلته نحو بليغ حمدي,أما فريد فقد اسمع حليم اللحن واعجب به واتفق علي غنائه غير أنه تمهل لحد الهرب, واقترح البعض علي فريد أن يغنيه بصوته غير أنه رأي أن يوجه برسالة شديدة اللهجة إلي العندليب عبر صوت محرم فؤاد, والموقف الثاني عندما عاد فريد للقاهرة سنة1970 بعد سنوات غياب عن مصر وإعلانه عن إحياء حفل الربيع في نفس ليلة إحياء حليم لحفله الذي انفرد بتقديمه منذ سنوات, وتشتد حرب تكسير العظام بمحاولات إثناء مطربين بشتي السبل عن مشاركة فريد حفله, والاستئثار بالفرقة الموسيقية التي تصاحب كل منهما في حفلاته, ويتكهرب الجو وتترقب الساحة ويزداد الأمر تعقيدا حتي يتدخل الرئيس عبدالناصر وتصدر قرارات بنقل حفل فريد علي الهواء وتسجيل حفل حليم ليذاع في اليوم التالي, وتطعيم الفرقة الذهبية التي مازالت تشق طريقها ببعض عناصر الفرقة الماسية للمشاركة في حفل فريد,وينجح الحفل رغم جهود إفشاله,أما ثالث المواقف وأصعبها فهو منح الرئيس عبد الناصر وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولي لفريد الأطرش,ليكون ثالث من يحصل عليه بعد كوكب الشرق وعبدالوهاب, أما عبدالحليم فلم يحصل عليه برغم قربه من السلطة في عصري عبدالناصر والسادات.