إذا كانت المجتمعات العربية في لحظتها الآنية وبكل فئاتها وشرائحها وعلي اختلاف خصوصية تركيبتها التاريخية والثقافية والحضارية تعايش حالة ضغوط داخلية هائلة وضغوط خارجية مفزعة, من ثم فإن حالة التعثر الديمقراطي تمثل سمة عامة مشتركة تتعدد أسبابها وتتباين طرائق مواجهتها والتعاطي معها بشكل يجعلنا محاطين بمشهد من التساؤلات الملحة علي غرار: هل يتوجه مسار التاريخ العربي المعاصر نحو الخيار الديمقراطي للشعوب؟؟ وهل تمثل القبيلة بحكم طابعها المؤسسي أهم جماعات الضغط علي الأنظمة العربية؟؟ وما هي إمكانات القبلية لإعادة إنتاج الثقافة السياسية وفرضها علي تلك النظم؟ وهل الديمقراطية الحديثة هي ديمقراطية القرية والقبلية والدويله أم ديمقراطية الدولة علي حد قول هينتنجتون؟. وهل يشير وجود ثقافة العصبية القبلية في بعض البلدان العربية نحو متجه المشاركة أم الاغتراب السياسي؟ هل يمكن اعتبار القبائل محكا فاصلا يمكن الاعتماد عليه في التعرف علي واقع الديمقراطية ومستقبلها في البلدان العربية؟ هل تحض الاشكاليات القبلية مثل قضايا الثأر والتنازع علي الحدود المشتركة بين قبيلتين وارتفاع معدلات الأمية والفقر وانتشار القيم الرجعية والعنف القبلي والعشائري وغيرها من الآفات الاجتماعية علي المشاركة في صناعة القرار السياسي؟ هل تدخل القبيلة في إطار التصنيف المجتمعي ضمن مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها ممثلة لمنظومة اجتماعية وسياسية تقليدية؟ هل تأصلت بحق مضامين الديمقراطية من تعددية إلي مشاركة في الثقافة السياسية والوعي الشعبي العربي؟ هل يمكن للعديد من القبائل العربية التحول نحو القبول بمفاهيم وقوانين وأنظمة الدولة الحديثة؟ وإذا كانت القبيلة تمثل بؤرة التعصب السياسي والديني والعرقي بل والتعصب ضد الآخر الحضاري فكيف يمكن لها القيام بدور محوري في الفاعلية السياسية والاندماج الوطني؟ وهل تتعامل المجتمعات العربية مع الديمقراطية كقيمة اجتماعية وأخلاقية يمكن الدفاع عنها ككل أو بعض القيم العقائدية الممثلة لجزء من نسيج الوعي؟. إن العلاقة الجدلية بين الكيانات المجتمعية- ومنها القبيلة- وبين الأنظمة السياسية العربية يحكمها في رؤية الكثيرين طابع عكسي فكلما عجزت الدولة وأخضعت سلطتها السياسية في القيام بوظائفها الحيوية مقارنة بنجاح القبلية في تلبية وإشباع احتياجات أفرادها ماديا ومعنويا بما يدعم وجودها سياسيا واجتماعيا, وأنه غالبا ما تلجأ السلطة المركزية إلي استرضاء واستقطاب بعض القبائل المتمركزة في مواقع جغرافية استراتيجية لا سيما حين تواجه الدولة طوفان عدوان خارجي فتلجأ هي الأخري للسعي نحو تلبية مطالب تلك القبائل ومحاولة إشراكها ظاهريا في صنع القرار السياسي. وهناك ميل خاص يجنح بالرأي نحو أن التعددية القبلية يمكن أن تمثل بديلا جزئيا عن التعديدية السياسية, كما أن هناك اعتدالا في الرؤية نحو أن الديمقراطية في المجتمعات القبلية هي شكل مشوه من أشكال الديمقراطية, ذلك أنها تصبح ديمقراطية نخبوية يمكن خلالها إيجاد علاقة غير ديمقراطية بين الدولة ورموز القبائل, من ثم فهي ليست ديمقراطية شعبية ذلك فضلا عن أن الديمقراطية بالنسبة للمجتمعات القبلية هي مطلب وقتي مرحلي, فالقبائل تطالب بالديمقراطية متي ظلت خارج السلطة ولكنها تتخلي تماما عن هذا المطلب بل وتأخذ موقفا ضدي إذا كانت هي علي رأس السلطة. لكن وفي إطار ما يعيشه العالم العربي وأنظمته السياسية وأحزابه وجبهات المعارضة وقوي التغيير فيه من تحولات وتغيرات جذرية تتبدل معها المعادلات السياسية والثقافية والاقتصادية والاستراتيجية آخذة اتجاهات غير مسبوقة حتي إنها قد أصبحت تطيح بالأخضر واليابس بفعل القوي الغربية التي تلوح آنيا بتصعيد موجات الغضب ضد الشعوب وحكامها متذرعة بأطياف أوهام ومهيبة بنا أن يكون التعامل معها باعتبارها المنطق الأسمي المنطوي علي تراتيل الحقيقة, ففوق ما تعانيه تلك الأنظمة العربية من أزمة ذاتية تقوقعت داخلها فهناك تأزماتها الخاصة المنبنية في أساسها علي علاقات هشة مع قيادات الغرب ومؤسساته وأفكاره وأيديولوجيته عموما, والسامحة لها بتحريك العملية السياسية إيجابا وسلبا داخل تلك الأنظمة مما يمثل تحديا حقيقيا.