ما أشبه الليلة بالبارحة إن الفساد في مصر ليس وليد اليوم, بل بدأت بوادره منذ أكثر من250 عاما من خلال الوصايا السياسية لعلي باشا الوزير الأعظم للسلطان العثماني عبد العزيز سنة(1871) ميلادية جاء فيها( إلي حضرة صاحب الباب العالي إن غالبية الموظفين العاملين في خدمتكم السنية يتقاضون مرتبات هزيلة. والنتيجة أن الرجال ذوي الكفاءة والمهارة يتجنبون العمل في الخدمة العامة مما يجبر حكومتكم العلية علي استخدام أنفار محدودي الكفاءة هدفهم الوحيد هو تحسين وضعهم المالي المتدهور.. هذا في الوقت الذي يجب أن يتولي الخدمة المدنية في الإمبراطورية رجال أكفاء ومجتهدون وأذكياء لديهم الهمة والرغبة في العمل. لآن من حق جلالتكم التأكيد علي المبدأ الأساسي بشأن مسؤولية الموظف العام ومحاسبة المسئولين في الدولة جميعا-هذا المبدأ الذي بدونه يتوقف كل تقدم وينهار العمل بالضرورة. وهكذا فكما يمكن أن يؤدي سلوك الناس إلي إفساد الانظمة السليمة فإن الانظمة الفاسدة كثيرا ما تؤدي الي افساد الناس. واذا كان للفساد عرض وطلب فإن عنصر العرض يضعف كثيرا مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي. ان شيوع الفساد في الدولة المصرية يؤدي الي اختلاف القانون المكتوب عن(القانون) المطبق فعلا. كما يؤدي الي تحول الحكومة من ادارة عامة تعمل علي اسس وقواعد معروفة للكافة وتسري علي كل من تنطبق عليه شروطها الي حكومة افراد يتبعون مصالحهم واهواءهم الخاصة. كذلك فإن شيوع الفساد وتأثيره علي الاقتصاد والحكم يجلبان التوتر في علاقات الافراد ببعضهم البعض. وفي علاقة الحكام بالمحكومين. ويهدد هذا التوتر الاجتماعي والسياسي قدرة الدولة علي التصرف في الداخل والخارج. بل ويؤثر اذا انتشر علي مشروعية النظام القائم وعلي استقرار الاوضاع في الدولة. كما يمكن أن يؤدي الفساد في حالاته المتطرفة الي فقدان الثقة بالكامل في النظام الحاكم وانهيار النظام العام تبعا لذلك. ويري الاقتصاديون أن اسباب الفساد تكمن أساسا في الهيكل الاداري والاقتصادي للدولة. وتتأثر كثيرا بالطريقة التي تدار بها الموارد العامة او التي يدار بها الاقتصاد بصفة أعم. ويقولون ان الفساد يشيع في الحالات التي يزيد فيها التدخل الحكومي في شئون الاقتصاد بما يجاوز قدرة الحكومة علي التدخل الفعال ويعطل المنافسة واليات السوق الأخري. إن نقطة البدء في محاربة الفساد هي اعادة هيكلة الجهاز الحكومي بالتدريج لجعله اكثر استجابة لمصالح الناس والتخلي عن الوحدات الادارية الذي ليس لبقائها مبرر سوي مصلحة العاملين فيها. والغاء البرامج التي يعرف العامة والخاصة انها حبلي بالفساد.. ومن منطلق أن الوظيفة الرئيسية لأية حكومة هي إدارة اقتصاد الدولة بأسلوب يضمن الاستقرار المأمول وإنجاز أعلي مستوي من النمو الاقتصادي والرفاة للمواطنين. ولن يتأتي للحكومة القيام بهذا الدور ما لم تسع جديا الي التوجه نحو تفعيل الاستراتيجية الوطنية في مكافحة الفساد. إن النص الدستوري ملزم للحكومة وتقاعسها عن هذا الإجراء يمثل في ذاته فسادا سياسيا ويفقدها مشروعيتها الوطنية والدستورية. وأخيرا فإن قيام الحكومة الحالية بعرض مخرجات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد علي الرأي العام لا يمثل فقط مطلبا دستوريا واضحا نطالب الحكومة به من منطلق الرقابة الشعبية المباشرة من الشعب في ظل غياب مجلس النواب, بل يمثل كذلك آلية مستقبلية للرقابة المالية والادارية علي كافة مؤسسات الدولة.{ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين( القصص77). عضو المجالس القومية المتخصصة [email protected]