هل يمكن أن يكون الرئيس بشار الأسد جزءا من أي حل سياسي للأزمة السورية التي تعتصر البلاد منذ أكثر من4 سنوات؟ إذا كانت الإجابة بنعم فلماذا لم يطرح هذا الحل من قبل, وما الذي حال دون الوصول إليه وتطبيقه حقنا للدماء السورية التي انهمرت كالشلال الهادر ومازالت لتسجل واحدة من أسوأ الأزمات السياسية والإنسانية علي مر التاريخ؟ هل الأمر يتعلق بمصير الشعب السوري والدولة السورية بمؤسساتها وعلي رأسها الجيش أم تتعلق ببقاء شخص الرئيس متربعا علي قمة السلطة؟ المؤكد أن إصرار الأسد علي البقاء في موقعه كرئيس للدولة بدعم إقليمي ودولي رغم وصول المأساة إلي ذروتها يمثل العقبة الكئود في طريق أي حل سياسي للأزمة وسيطيل أمدها إلي أجل غير معلوم, ولن يصل بها إلا إلي مزيد من التعقيد, وستظل حالة النزيف والخراب هي عنوان ما يجري في هذا البلد حتي تقرر الدول الكبري التدخل بشكل جدي لإنهائها إما بفرض حل سياسي علي جميع الأطراف بما فيها الأسد ومن يدعمونه من خلال تسوية يتفق عليها من يمسكون بدفة الصراع ويديرونه من الخارج, أو بالحسم العسكري المباشر حتي لو أدي الأمر إلي الإطاحة بالرئيس السوري ونظامه. فلو كان الأمر يتعلق بالدولة التي أنهكتها الحرب الطاحنة لتعين علي كل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة أن تختارها من البداية, وألا تنحاز إلي جانب الأسد, الذي لم يثنه عن التشبث بالسلطة سقوط ما يقرب من250 ألف قتيل, وتشريد ما يزيد علي8 ملايين سوري داخل البلاد وخارجها فضلا عن الخراب والدمار الذي طال كل المدن والقري السورية, والذي يحتاج إلي عقود طويلة وأموال طائلة وجهود جبارة لإعادته إلي سابق عهده وإعماره من جديد في حال توقف عجلة الحرب الآن, وهو ما يثبت أن الدول الكبري وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تكن جادة في أي وقت منذ اندلاع الثورة السورية في مطلع2011 التي تحولت إلي حرب أهلية مسعورة في إيجاد حل سلمي أو عسكري للأزمة, ويثبت أن الغرب كان حريصا علي استمرار الصراع بنفس الوتيرة, وإلا فلماذا لم يقدم التسليح الكافي للمعارضة المسلحة لا لكي تحسم الصراع لصالحها وتزيح الأسد, ولكن فقط لوقف غارات النظام الجوية بالقنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة التي قتلت ومازالت تقتل مئات الضحايا من المدنيين كل يوم؟ التحول المفاجئ الذي طرأ مؤخرا علي الموقف الأمريكي من الأزمة السورية من خلال تصريحات وزير الخارجية جون كيري التي قال فيها إن الأسد يجب أن يكون طرفا في أي مفاوضات ترمي إلي حدوث تحول سياسي وأن أي شيء أتي من خارج الحدود كان مجرد كلام وفقاعات تذهب وتختفي بعد فترة فلا يهم, والتي تتعارض كلية مع الموقف السابق لها والذي كان يتلخص في تأكيد أمريكا فقدان الأسد كل شرعيته وأنه يتوجب عليه الرحيل, أثارت جدلا وقلقا كبيرين, فهي فضلا عن أنها لا تعكس نية حقيقية من جانب واشنطن في إيجاد حل عادل للأزمة المزمنة, وتعفي الأسد من تحمل تبعات كل الخسائر المادية والبشرية التي ترتبت علي موقفه المتعنت, وتعامله كطرف سياسي كامل الأهلية والشرعية- خلافا لرأيها السابق- بقدر ما تشير إلي وصولها إلي تسوية سياسية شاملة مع إيران بشأن برنامجها النووي ودورها الإقليمي بوصفها الداعم الأكبر للرئيس السوري, والمسيطرة علي مجريات الأمور في4 عواصم عربية أخري تشهد صراعات مماثلة وعدم استقرار سياسي. فقد ذكر كيري أن أمريكا ودولا أخري لم يحددها تبحث سبل إحياء العملية الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا, وأن ما تسعي بلاده لتحقيقه هو حمل( الأسد) علي المجيء لعمل ذلك وقد يتطلب الأمر زيادة الضغوط عليه بأشكال متعددة, الأمر الذي يتجاهل تماما مواقف بريطانيا وفرنسا المعارضتين بشدة لأي تفاوض مع الرئيس السوري, أو مشاركته في المرحلة الانتقالية. يأتي موقف الأسد من التوجه الأمريكي الجديد مثيرا للدهشة وواثقا في نفسه أكثر مما يحتمل الوضع, والذي أعلنه في تصريحات تليفزيونية أمس بقوله: مازلنا نستمع لتصريحات وعلينا أن ننتظر الأفعال وعندها نقرر, وأضاف: يتعين علي الدول الأجنبية أن توقف دعمها للجماعات الإرهابية في سوريا, وأن أي تغيرات دولية تأتي في هذا الإطار هي شيء إيجابي إن كانت صادقة ولكنها تبدأ أولا بوقف الدعم السياسي لمن وصفهم بالإرهابيين ووقف التمويل وإرسال السلاح, وبالضغط علي الدول الأوروبية وعلي الدول التابعة لها في منطقتنا والتي تقوم بتأمين الدعم اللوجستي والمالي وأيضا العسكري للإرهابيين, بما يعني أن الأسد بدأ يشعر أنه في موقف تفاوضي أفضل يسمح له بإملاء الشروط! ففي رده علي سؤال حول تغير مواقف بعض الدول الأساسية فيما يتعلق ببقائه والحوار معه قال الأسد: سواء قالوا يبقي أو لا يبقي,الكلام في هذا الموضوع هو للشعب السوري فقط!! وما يؤكده مراقبون ومحللون سياسيون أن أمريكا بموقفها المتحول الجديد الذي يبدو أنه جزء من صفقة مريبة أثارت استياء وقلق حلفائها في المنطقة من الدول المعارضة للأسد, بينما الوصول لحل سياسي مع الأسد مازال حلما بعيد المنال, لا يزيد عن كونه مجرد فكرة وطرح لم يتحقق بعد.