كلما ظهرت بؤرة جديدة للصراع المسلح بين فرقاء سياسيين في أي دولة, أو بين دولتين في أي إقليم, أو بين أطراف دولية وإقليمية متعددة , تتطلع أنظار العالم مباشرة إلي منظمة الأممالمتحدة وإلي مجلس الأمن الدولي أملا في تدخلهما الفوري من خلال الآليات الدبلوماسية المعروفة لفض النزاع أو لإيجاد حل سلمي عاجل لهذا الصراع بحكم ما لهذه المنظمة من ثقل دولي وصلاحيات قانونية مشروعة وحياد مفترض يسمح لها بالتدخل الفعال في الأزمة الطارئة قبل استفحالها وتفاقمها وتحولها إلي صراع مزمن, من أجل وقف نزيف الدم المترتب علي العمليات العسكرية والاشتباكات بين الأطراف المتناحرة التي يسقط خلالها ضحايا من المدنيين والعسكريين علي السواء. وفي كل مرة تباشر المنظمة الدولية من خلال آلتها الإعلامية في إمطار العالم بوابل من التصريحات الجوفاء التي لا تقدم ولا تؤخر, وفي إصدار بيانات الإدانة والشجب والتحذير من تحول الصراع إلي حمام دم, وتدعو أطراف الأزمة إلي مائدة المفاوضات لعلها تستجيب إلي نداءاتها ودعواتها المهذبة لتحكيم العقل وضبط النفس إلي آخر هذه المفردات والمصطلحات التي لا تزيد عن كونها مجرد نصائح غير مقبولة من جانب الطرف الأقوي الذي لا يبدي استجابة من أي نوع لفرض أمر واقع علي الأرض قبل الانخراط في أي مفاوضات, وتسارع بإيفاد دبلوماسييها المخضرمين من سفراء مشهود لهم بطول الباع والذراع في التفاوض السلبي الذي لا يفضي في النهاية إلي شيء, وتمضي وسائل الإعلام العالمية في مباشرة عملها بتوفير تغطية مباشرة لجهود المبعوث الأممي وتطمين المجتمع الدولي بنتائج متوقعة بوأد الفتنة وحقن الدماء, وفقا لتصريحات الوسيط الدولي!! في أحوال كثيرة يواصل مبعوث الأممالمتحدة عمله ولا يمل من تكرار تطميناته الفارغة من أي مضمون, بينما تتواصل أعمال القتال ويتواصل سقوط الضحايا, وترتكب مجازر جماعية, وتدخل علي الخط المحكمة الجنائية الدولية لتتوعد بمحاسبة المسئولين, وتباشر الدول الكبري استثمار الأزمة في تسليح أطراف النزاع لإنعاش صناعة السلاح في شركاتها التي تعاني من ركود إنتاجها من الأسلحة الراكدة في المخازن. في نوفمبر2014 توقع محللون أمريكيون اتجاه المنظمة الدولية( الأممالمتحدة) إلي ما وصفوه وقتها ب إذلال دبلوماسي آخر في سوريا- في إشارة إلي ستيفان دي ميستورا- عندما تم ترشيحه للقيام بالوساطة في هذا البلد- خلفا للمبعوث الأممي العربي المشترك الأخضر الإبراهيمي الذي لم يحقق أي نجاح يذكر لوقف الصراع في بلد نهشته حرب مجنونة متعددة الأطراف علي مدي4 سنوات بين نظام الأسد المستبد الذي لم يتردد لحظة في قتل مواطنيه بالأسلحة الثقيلة والكيماوية والبراميل المتفجرة والطائرات المقاتلة, وبين معارضة مسلحة متعددة ومتنوعة الأجندات, وميليشيات مسلحة من أكثر من دولة علي أسس لم تعد مفهومة لأحد. طبعا لا ميستورا ولا الإبراهيمي نجح في مهمته, فيما الصراع يزداد تعقيدا وينذر بعواقب كارثية ليس علي سوريا وحدها وإنما علي المنطقة بأسرها. ورغم ما يحمله تعبير إذلال الذي استخدمه المحللون الأمريكيون من الشماتة وقلة الذوق لوصف فشل مهمة المبعوثين الدوليين في تحقيق أي إنجاز دبلوماسي بشأن الأزمة السورية رغم ما بذلاه من جهود مضنية ومكثفة للتوصل لحل ولو مؤقتا للصراع, إلا أنه قد يكون التعبير الأدق للوضع السوري المتدهور, وهو في الوقت نفسه لا يبريء الولاياتالمتحدة من مسئوليتها كقوة عظمي في فرض حل من جانبها بالقوة العسكرية لوقف هذا الصراع المجنون. ووفقا للمحللين الأمريكيين اقتصر دور المنظمة الدولية علي تخفيف التوترات بين القوي الكبري في هذه الحرب بدلا من استهداف وقف الحرب نفسها, حيث حافظت الأممالمتحدة علي اتصالات مع المؤيدين والمعارضين للحكومة وتوسطت بالفعل لإنجاز بعض صفقات وقف إطلاق النار الهش فقط بما يسمح بإجلاء المدنيين. وفي ليبيا سار المبعوث الأممي برناردينيوليون علي نهج زملائه في الفشل حتي الساعة في مساعيه لمواصلة محادثات السلام بين الفصائل الليبية المتناحرة للتوصل إلي اتفاق لتشكيل حكومة وحدة, مما يهدد بمخاطر اندلاع حرب أهلية شاملة ستفرض تهديدات خطيرة علي الدول المجاورة لليبيا وأوروبا وفقا لدبلوماسي بريطاني, الأمر الذي أجبر الحكومة المنتخبة والبرلمان المعترف بهما دوليا علي الانتقال الي خارج العاصمة الليبية طرابلس إلي طبرق. جوناثان باول مبعوث بريطانيا لليبيا- وهو وسيط ثان في المحادثات- طرح سؤالا منذ أيام علي مراسل وكالة رويترز للأنباء بشأن محاولات ليون وتوقعه إزاء احتمالات نجاحها قائلا:هل سينجح؟ وأجاب علي نفسه: لا أعرف!! وأضاف: آمل بإخلاص أن ينجح لأن البديل أن تتحول ليبيا إلي صومال آخرعلي البحر المتوسط. وفي اليمن يردد اليمنيون مقولة للرئيس السوداني عمر البشير وهو يحذرهم من مهمة المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي اتهمه فيها بأنه سيقسم بلدهم علي غرار السودان الذي تحول إلي دولتين تحت إشراف الأممالمتحدة, وعزز من هذه الفكرة لدي الشعب اليمني من سياسيين وأكاديميين وحتي لدي مراقبين دوليين الاعتقاد بأن الدبلوماسي المخضرم أفقد الأممالمتحدة فاعليتها بفشله المتكرر الذي وصل بالبلاد والعملية السياسية إلي وضعها علي كف عفريت بعد أن كان يصفها بالفريدة بالعالم, وتغيرت الصورة الإيجابية التي انطبعت في أذهان اليمنيين في الأشهر الأولي من مزاولة بن عمرعمله, حيث وصفوه برجل إطفاء الحرائق الذي تحول إلي مساعد علي الاشتعال. ولا يقتصر الفشل المتكررعلي المبعوثين الحاليين وأبرزهم ميستورا وليون والإبراهيمي وبن عمر, ولكنه يحظي بتاريخ طويل مع الأممالمتحدة في صراعات دولية نشبت منذ عقود وانتهت نهايات مأساوية تحتاج إلي مجلدات لتسجيلها ربما تنتهي بإدانة المنظمة الدولية بالقيام بدور مشبوه وغير محايد.