عد تكهنات كثيرة وطول انتظار, أصبح الدبلوماسى الإيطالى ستافان دى ميستورا مبعوثا أمميا لسوريا خلفا للدبلوماسى الجزائرى الأخضر الإبراهيمى الذى استقال من منصبه فى منتصف شهر مايو الماضى، ليأتى توليه هذا المنصب فى خضم صراع سورى مر عليه أكثر من ثلاث سنوات، ولا تلوح فى الأفق أى بادرة لحله، مما جعل البعض يصف مهمة المبعوث الجديد للأمم المتحدة بالصعبة بل والمستحيلة! إرث كبير وتركة ثقيلة تركها له سلفاه فى المنصب (الإبراهيمى وكوفى عنان)، اللذان استقالا بعد محاولات مضنية للتوصل إلى حل دون أى نتيجة, فما الجديد الذى يستطيع أن يقدمه الدبلوماسى المحنك فى سوريا؟ هل يستطيع فعلا إيقاف هذا النزاع وإعادة الأطراف إلى طاولة التفاوض؟ وقبل هذا، هل يمتلك تفويضا واضحا من الأممالمتحدة ومجلس الأمن؟ هذه الأسئلة وغيرها فرضها الواقع الأليم الذى يعيشه ألاف السوريين تحت القصف وألاف اللاجئين الذى دمر الصراع حياتهم, أسئلة لم يجد المبعوثان السابقان إجابة واضحة عليها. غير أنه بالنظر إلى الملف الحافل الخاص بهذا الرجل نجد إجابات لبعض هذه الأسئلة, ففى تقرير نشرته صحيفة " ديلى تلجراف" البريطانية عن حياة " دى ميستورا" المهنية تم إستعراض الكثير من النقاط الإيجابية للدبلوماسى المحنك الذى ولد فى السويد فى 25 يناير عام 1947، من أم سويدية وأب إيطالي, وينحدر من عائلة نبيلة فى كرواتيا، وقد بدأ ميستورا، الذى أجبرته الحرب العالمية الثانية على الانتقال من كرواتيا إلى إيطاليا، العمل داخل أروقة الأممالمتحدة فى سبعينيات القرن الماضي، حيث عمل فى منظمة برنامج الغذاء العالمى ومقرها روما، قبل أن ينضم لمكتب الأممالمتحدة فى قبرص. وفى عام 1999، قرر مجلس الوزراء الإيطالى منح ميستورا، الذى يتقن العديد من اللغات منها السويدية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية وبعضا من العربية، الجنسية الإيطالية، لما تميز به من "إرادة والتزام ومستوى عال من الاحتراف فى عمله". ثم بعد ذلك عين الدبلوماسى الإيطالى مديرا لمركز الأممالمتحدة للإعلام فى روما فى عام 2000، ثم ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة فى جنوبلبنان، قبل أن يصبح مبعوثا خاصا للأمين العام فى العراق عام 2007، ثم لأفغانستان فى مطلع عام 2010. وفى نوفمبر عام 2011، قرر رئيس الوزراء الإيطالى آنذاك، ماريو مونتي، تعيينه وزير دولة فى وزارة الشئون الخارجية والمبعوث الخاص لرئيس الوزراء لحل مشكلة توتر العلاقات بين إيطاليا والهند بعد قيام مشاة البحرية الإيطالية بقتل اثنين من الصيادين الهنود, ثم أصبح القنصل الفخرى لإيطاليا لدى مملكة السويد. ودى ميستورا، يعرف جيدا أنه لا يمتلك "عصا سحرية" لتسوية النزاع كما قال الأمين العام بان كى مون فى مؤتمر صحفى للإعلان عن تعيينه. ويدرك أيضا أن شخصية المبعوث الخاص لا تكفى لإحداث اختراق مهم فى هذا الجمود الدبلوماسى الذى عجز عنه سلفه كوفى عنان، مع كل ما كان يمتلكه من قوة إقناع وسحر. وأنه من دون توافق أمريكى روسي، لا يمكن حدوث أى شيء مهم. كما أنه إكتشف من خلال كل مهماته وخبراته السابقة أن هامش المناورة الذى يمتلكه ضئيل، وأنه محكوم عليه، فى النهاية، أن يبحث عن حلول وسط لا ترضى أحدا. ولذلك لا يتفاءل المراقبون كثيرا بحدوث انفراجة كبيرة فى الأزمة بتعيين دى ميستورا, رغم الترحيب الدولى بتوليه هذا المنصب، لأن الوضع فى سوريا أصبح بالغ التعقيد. ولكن صحيفة «وول ستريت جورنال» ترى أن مهمة دى ميستورا ستكون إلى حد ما أسهل من سابقيه عنان والإبراهيمي, وذلك لأنه سيكون مبعوثا فقط للأمم المتحدة، وليس مثل سابقيه "مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية"، وهو الأمر الذى شكل صعوبة كبيرة لمهمة عنان والإبراهيمي, على حد تعبير الصحيفة.