ليس هناك من ريب في استحقاق المجتمع المصري للكثير من التغييرات الإيجابية في بنية العمل المؤسسي الإداري في الدولة المصرية... بل يمكننا أن نقرر وبلا مواربة أو تضخيم أن فقر وفساد الخدمة المؤسسية التي تعد حقا مستحقا بلا ريب لكل مواطن مصري كانت المعول الرئيسي الذي هدم نظام مبارك.. إذ شكل الحنق الشعبي, وخاصة في قطاعات الشباب, ركيزة الثورة الأولي في يناير. حيث تراكمت آلام المجتمع, بل تكالبت, لتحيل حياة الناس لمعاناة طال أمدها وأججت المشاعر لسنوات وسنوات... وكان من علامات ترهل نظام مبارك تضاؤل قدرته بشكل مخل علي تلبية طموح المواطن المصري في العيش الكريم, خاصة مع استفحال التردي والفساد وغيبة العدالة والشفافية في كل ما تؤديه الدولة الرسمية من خدمات مجتمعية.... ولذلك فمن أهم واجبات الرئيس اليوم, وبالطبع الحكومة والحالية وأي حكومة قادمة, هو القيام بثورة رسمية ممنهجة لنفض الغبار عن جسد الخدمة التي تقدمها الدولة للمواطن, في كل مجالات الحياة اليومية. ولعل أهم تلك الواجبات في التغيير الإصلاحي يتعلق بخدمات تكريس وحفظ كرامة المواطن المصري, وعلي رأسها خدمة الأمن والعدالة.... نعم... يحتاج المواطن المصري أن يشعر بتغيير جاد وحقيقي في شأن الخدمات التي تقدم له من جهة الشرطة وجهة القضاء وما يدور في فلكيهما من خدمات رسمية... مثل الشهر العقاري والأحوال المدنية والجوازات والمرور...وأهمها قاطبة خدمة تقديم الأمن والطمأنينة مدعومة بالمعاملة الكريمة.. وهي مهمة جسيمة لأنها تقتضي تغيير في عقيدة العمل الأمني ليتحول من سلطة في رقاب الناس إلي خدمة مستحقة للمواطن العادي, دونما حاجة إلي لأي فرد لأن يدفع إكرامية أو يصطحب واسطة أو كارت من أي شخص له نفوذ أو سلطان لكي يقضي حاجة له, هي بالأساس حق يجب أن يحصل عليه..وأن يحصل عليه بشكل كريم بما يحفظ عليه كرامته, ولا يشعره بالقهر في وطنه... صحيح أن وزارة الداخلية قد أحدثت تغييرات إيجابية في الفترة السابقة, لكن طموحات المواطن المصري كثيرة, ومستحقة أيضا, وصبره قليل, وغضبته أصبحت أسهل من ذي قبل, حيث مازال المناخ الثوري مسيطرا علي الحالة المزاجية العامة, خاصة في قطاعات الشباب, التي مازالت تستشعر الفجوة بين ما تحقق وما تصبو إليه, بما يلقي مزيدا من الضغوط علي الشرطة لكي تقوم بدوها في حفظ الأمن في وقت يعد من أعقد الأوقات وأخطرها في تاريخ الدولة المصرية الحديثة قاطبة... وفي نفس الوقت الذي يجب أن تقوم فيه الشرطة بهذه التغييرات الممنهجة في قوام الخدمة الأمنية, يجب أن نشد علي أيديها ونطالبها بمزيد من الحسم في إنفاذ القانون, وألا تأخذها رأفة بأي فرد ارتضي أن يحمل السلاح ويوجهه لصدر رجل أمن أو رجل عسكري أو مواطن عادي... فهذه أنشطة إجرامية, بل إرهابية, يجب ألا تمر مر الكرام..بل تواجه بكل قوة وعنف, حفاظا علي أمن الوطن الذي يترنح تحت وطأة التهديدات الجسيمة داخليا وخارجيا.... أما الناحية الأخري, التي تكمل ما سبق, ولا تقل عنه أهمية, هي التغييرات التي يجب أن تحدث في المحليات.. في كافة ربوع الوطن... حيث لا يخفي الحالة المتردية من الفساد والرشوة والمحسوبية, التي تسيطر علي كافة الأنشطة التي تقوم بها... ولها الأثر الأكبر في إشاعة عدم الثقة, وتجسيم مشاعر الحنق والغضب ضد الدولة والحكومة... نحتاج في مصر, وبشكل لا يحتمل الإبطاء... أن تقوم الحكومة بتغييرات ثورية في جسد المحليات....لتعيد إليه جوهره الخدمي الذي يرضي طموحات الفرد في خدمة منضبطة وسريعة و ناجزة.... وأنا علي يقين أن تلك الخطوات سوف تحدث هدوءا ورضا واسعين في الشارع المصري... محاضر في القانون الدولي وحقوق الإنسان