بداية: عجبت من كثير من علماء الأمة, خاصة من لدن الحكم الفاطمي لمصر واليمن وبلاد المغرب أنه لا تطرح عليهم قضية من القضايا إلا ويختلفون فيها بين محلل ومحرم دون تأصيل لأصل هذه القضية, ودون نظر واستدلال إلا في إثبات كل فريق منهم رأيه مع تكفير الآخر والمحالف له حتي تصبح هذه القضية عند كل فريق دينا بل شريعة من شرائع الله عز وجل. ومن هذه القضايا الاحتفال الثاني عشر من ربيع الأول بمولد النبي صلي الله عليه وسلم. فذهب من يطلقون علي أنفسهم بالسلفية إلي عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي فقالوا: إن الاحتفال بالمولد بدعة محدثة في الدين لأنها لم ترد عن سلف هذه الأمة وعلي رأسهم الصحابة بمولده خيرا لفعلوه, وقالوا: هذا إضافة إلي ما يشمله الاحتفال من المنكرات في الدين البعيدة عن مبادئ الإسلام وتعاليمه, وهذا أمر لم يفعله الصحابة وتابعيهم ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لفعلوه فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم وتعظيما له منا, وهم علي الخير أحرص, وإنما كمال محبته وتعظيمه وطاعته واتباع أمره, وإحياء سنته باطنا وظاهرا, ونشر ما بعث به, فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار, والذين اتبعوهم بإحسان. وأما الفريق الثاني: فيرون إن الاحتفال بالمولد النبوي من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلي الله عز وجل حتي غال بعضهم فقال وإن لم يؤد الفرائض فالاحتفال يكفيه, واحتجوا بما قاله السري السقطي حين قال: من قصد موضعا يقرأ فيه مولد النبي صلي الله عليه وسلم فقد قصد روضة من رياض الجنة, لأنه قصد ذلك الموضع إلا لمحبة الرسول صلي الله عليه وسلم, وأيده جلال الدين السيوطي: في كتابة الوسائل في شرح الشمائل حيث قال: ما من بيت أو مسجد أو محله قرئ فيه مولد النبي صلي الله عليه وسلم إلا حفت الملائكة بأهل ذلك المكان وعمهم الله بالرحمة والمطوفون بالنور يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل فأنهن يصلون علي ما كان سببا لقراءة مولد النبي صلي الله عليه وسلم, ثم قال وما من مسلم قرئ في بيته مولد النبي صلي الله عليه وسلم إلا رفع الله تعالي القحط والوباء والحرق والآفات والبليات والنكبات والبغض والحسد وعين السوء واللصوص عن أهل ذلك البيت فإذا مات هون الله تعالي عليه جواب منكر ونكير وكان في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهكذا تناطح الفريقان في هذه القضية دون تأصيل لها ودون نظر واستدلال وأصبح السؤال الذي يجب أن يطرح علي الفريقين معا هل ولد النبي صلي الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول أم أنه توفي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول. والحق أنك لا تجد رواية واحدة في كتب السنة تقول أن النبي صلي الله عليه وسلم ولد في شهر ربيع الأول, ولم يثبت ذلك عن أحد من الصحابة أو تابعيهم, وتلك كتب السنة متوافرة بين أيدينا جميعا فهل هناك رواية واحدة تدل علي ذلك؟. الجواب بالطبع لا. ولكن المتفق عليه والثابت في كتب السنة بلا خلاف أن النبي صلي الله عليه وسلم توفي ضحي يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فأصبح هذا اليوم بالأدلة القاطعة أنه يوم وفاة النبي وليس ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم. ولكن السؤال: لماذا لم يؤصل هؤلاء العلماء جميعا هذه المسألة قبل أن يختلفوا فيها بين التحريم والجواز؟. ألم يعلم هؤلاء العلماء جميعا أن الاحتفال بالمولد النبوي كان منشأه قرار أصدره الحاكم بأمر الله الفاطمي وكان شيعي المذهب والمعتقد وهو: أن يكون الثاني عشر من ربيع الأول يوم احتفال بمولد النبي صلي الله عليه وسلم ليضيع علي المسلمين ذكري وفاة النبي صلي الله عليه وسلم في هذا اليوم ألم يعلموا ذلك قبل أن يختلفوا. فبدلا من أن يكون هذا يوم حزن لأمرين لوفاة النبي صلي الله عليه وسلم ضحي هذا اليوم باتفاق الصحابة وروايات السنة كافة بلا اختلاف, ولإنقطاع الوحي الإلهي بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم. ألم يعلم الفريقان ذلك أم أنهم تاهوا في خلافهم الذي لا ينتهي في أي قضية من القضايا وتكفير بعضهم البعض حتي جعل كل فريق منهم رأيه دينا يتعبد به يكفر به من يخالفه. وإذا قيل: اعتدنا من لدن آبائنا علي أن النبي صلي الله عليه وسلم ولد ومات في هذا اليوم فدعوني أسألهم سؤالا إن كان ما تقولون صدقا من إثبات يوم الميلاد بهذا التاريخ وإثبات الوفاة بهذا التاريخ فهل نحتفل بالميلاد أم نحزن للوفاة والمفارقة وانقطاع الوحي. والغريب أن تاريخ ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم ثابت في ثنايا آيات القرآن الكريم والسنة النبوية في شهر آخر غير هذا وسنثبت ذلك بمشيئة الله تعالي في المقال التالي, ولكن كلا الفريقين تاهوا لانشغالهم بين التحريم والجواز وتكفير بعضهم البعض. عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية