يعد الدكتور أحمد عمر هاشم. عضو هيئة كبار علماء الأزهر. المحدث الأول في العالم الإسلامي ولهذا يتلمس المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها رأيه في القضايا الخلافية ليستنيروا به ووصول إلي الحق . من هنا تأتي أهمية الحوار معه حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي والذي يتزامن هذا العام مع الاحتفالات المسيحية بميلاد المسيح عليه السلام وحكم تهنئة المسيحيين بهذا العيد. * اختلفت الآراء حول حكم الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف حيث أباحه البعض في حين حرمه آخرون بحجة أنه بدعة فما قولكم ؟ * * مع الاحترام لكل الآراء الفقهية في هذه القضية الا ان في هذا الاختلاف رحمة طالما كان الاختلاف بسبب فهم الادلة الشرعية مع احترام كل فريق للفريق الآخر وأنا ممن يرون أن الاحتفال بالمولد النبوي جائز ولا إثم فيه طالما لم ترتكب فيه معاصي أو مخالفات شرعية بل تتم مراجعة النفس وتجديد التوبة واتباع سنة الرسول صلي الله عليه وسلم دعوة الناس إلي ذلك. احتفال الرسول * لكن المعارضون يقولون إن الرسول صلي الله عليه وسلم نفسه لم يحتفل بيوم مولده . فما ردكم ؟ * * هذا كلام غير صحيح فقد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه فعل عقيقته يوم مولده. وقال النبي عن صيام يوم الاثنين ¢ ذاك يوم ولدت فيه¢ . وقال العلماء إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يحتفل بيوم مولده بمزيد من الطاعة لربه بالصيام وغيره من الطاعات لأن الرسول صلي الله عليه وسلم احتفل بيوم مولده حيث كان يواظب علي الاحتفال به بالصيام وعندما سئل عن ذلك قال "إن هذا يوم ولدت فيه" لذلك فإن الاحتفال اليوم برسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم جائز ومستحب إحياء لذكراه العطرة والإقتداء به وبسنته النبوية الشريفة. * نحن في ذكري الاحتفال بمولده صلي الله عليه وسلم نريد أن نذكر الناس في عجالة بصاحب الذكري . فماذا تقولون ؟ * * ولد الرسول صلي الله عليه وسلم في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول بمكة في عام الفيل. وهذه رواية مشهورة وصحيحة وثابتة في كل كتب السنة والسيرة النبوية . وقد روي الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم- سئل عن يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ولد رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يوم الاثنين. واستنبئ يوم الاثنين. وتوفي يوم الاثنين. وخرج مهاجراً من مكة إلي المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين ولهذا فإن ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم صاحبه العديد من المعجزات المعروفة فقد فرح بمولده عشيرته وكان من الذين فرحوا بقدومه عمه أبو لهب الذي كان من أشد المعادين له بعد بعثته صلي الله عليه وسلم ولكنه يوم مولده صلي الله عليه وسلم فرح فرحاً شديداً وأعتق جاريته ثويبة التي أخبرته بهذا الخبر السعيد ولذلك فإنه يخفف عنه العذاب في نار جهنم يوم الاثنين من كل أسبوع ويكون عذابه بأن توضع تحت قدمه جمرة من نار وهذه قصة صحيحة. الاحتفال بالطاعات * كيف يكون الاحتفال الصحيح بمولد النبي صلي الله عليه وسلم ؟ * * يجب أن يكون احتفالنا بذكري مولد الرسول صلي الله عليه وسلم بتجديد الوصل مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وتدارس سيرته وسنته المطهرة وحضور الندوات والمناسبات التي تعقد في هذا الإطار لتذكير المسلمين بفضل هذا النبي الأمي الكريم صلي الله عليه وسلم علي البشرية جمعاء إلي أن تقوم الساعة لأن الاحتفال بالأيام المباركة ليست بدعة ولهذا نؤكد من جديد أنه لا غضاضة في الاحتفال بمولد سيد الخلق علي أن نسترشد بفعله صلي الله عليه وسلم ويكون احتفالنا بالعبادة والصوم وصلة الأرحام فما بعث الرسول صلي الله عليه وسلم - إلا ليتمم مكارم الأخلاق. احتفال بلا مخالفات * وماذا عن الاحتفال بمولد الرسول الكريم بالمخالفات الشرعية والبدع ؟ * * هذا حرام بالقطع ومخالف لسنته مثل اهتزاز المجانين بالذكر والأفعال الشاذة فهذا مرفوض ولا يليق بعظمة هذه الاحتفال بصاحب الذكري العطرة صلي الله عليه وسلم. المولد والمآسي * في الحالة المأساوية التي تعيش فيها الأمة الآن فماذا تقول لها في ذكري مولد نبيها ؟ * * إن المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشري جميعه فلقد عبر القرآن الكريم عن وجود النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأنه ¢رحمة للعالمين¢ وهذه الرحمة لم تكن محدودة فهي تشمل تربيةَ البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم علي صعيد حياتهم المادية والمعنوية كما أنها لا تقتصر علي أهل ذلك الزمان بل تمتد علي امتداد التاريخ بأسره قال تعالي ¢وآخَرِينَ مِنهم لَمّا يَلحَقُوا بهم¢. ولهذا فإن الاحتفال بذكري مولد نبي الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي صلي الله عليه وآله وسلم بل إن محبة الرسول من أصول الإيمان وهي مقارِنة لمحبة الله عز وجل. وقد قرنها اللهُ بها وتَوَّعَدَ مَن قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك فقال تعالي ¢قُل إن كانَ آباؤُكم وأَبناؤُكم وإخوانُكم وأَزواجُكم وعَشِيرَتُكم وأَموالى اقتَرَفتُمُوها وتِجارةى تَخشَونَ كَسادَها ومَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إليكم مِنَ اللهِ ورَسُولِه وجِهادي في سَبِيلِه فتَرَبَّصُوا حتي يَأتِيَ اللهُ بأَمرِه.¢. ولما قال عُمَرُ للنبي صلي الله عليه وآله وسلم: يا رسولَ اللهِ. لأَنتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيءي إلاّ مِن نَفسِي. قَالَ النبِيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: ¢لا والذي نَفسِي بيَدِه. حتي أَكُونَ أَحَبَّ إليكَ مِن نَفسِكَ¢. فقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآن واللهِ لأَنتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِن نَفسِي. فقالَ النبِيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: ¢الآن يا عُمَرُ¢. السلف الصالح * يقولون إن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي فما قولكم ؟ * * هذا كلام غير صحيح لأن السلف الصالح درج منذ قرون عدة علي الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتي أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. كما نص جماهير العلماء سلفًا وخلفًا علي مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بل ألَّف في استحباب ذلك جماعةى من العلماء والفقهاء بَيَّنُوا بالأدلة الصحيحة استحبابَ هذا العمل بحيث لا يبقي لمَن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بهذه الذكري المباركة ولا مانع من إدخال الفرح والسرور علي الأسرة بما يحبونه من الحلوي وغيرها من الأطعمة طالما أنه ليس في هذا الاحتفال معصية. تهنئة المسيحيين * يتزامن هذا العام الاحتفال بالمولد النبوي مع الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام فما حكم تبادل التهاني مع المسيحيين وخاصة أن هناك من يري ذلك بدعة بل إن هناك من يكفر من يفعل ذلك ؟ * * الإسلام ضد التعصب الأعمي ويدعو إلي التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم وخاصة المسيحيين من أهل الكتاب . ولهذا أعجبتني فتوي دار الإفتاء المصرية في تهنئة غير المسلمين حيث جاء فيها بالنص :¢ إن هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذي أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعا دون تفريق لقوله تعالي: ¢وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا¢ . وقوله تعالي:¢إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ¢. ولهذا فإن أهم مستند اعتمدت عليه هو النص القرآني الصريح الذي يؤكد أن الله تبارك وتعالي لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم وما إلي ذلك من أشكال البر بهم وهو قوله تعالي:¢ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ¢. ولهذا فإن الإهداء وقبول الهدية من غير المسلم جائز أيضًا لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقبل الهدايا من غير المسلمين حيث ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ¢أهدي كسري لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقبل منه. وأهدي له قيصر فقبل. وأهدت له الملوك فقبل منها¢ وقد فهم علماء الإسلام من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مشروعة أو مستحبة لأنها من باب الإحسان وإنما لأنها سنة النبي صلي الله عليه وسلم.