علي عكس كل الأحزاب والجماعات السياسية التي خاضت انتخابات مجلس الشعب لعام2010, فان جماعة الإخوان المسلمين وهي حزب سياسي غير معترف به قانونا لم تكن فحسب الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات, بل كانت كذلك الخاسر الوحيد, فالحزب الناصري الذي لم يفز بأي مقعد, لم يخسر شيئا, إذ لم يكن يشغل أي مقعد في المجلس السابق, وهو ما ينطبق كذلك علي أحزاب الوفد والتجمع والجيل والغد التي حصل كل منها علي العدد الذي كان يحوزه في المجلس السابق بلا زيادة ولا نقصان.. وبلا ربح أو خسارة, بينما تصدر الحزب الوطني قائمة الفائزين بزيادة كبيرة رفعت نسبة ما كان يحوزه من مقاعد إلي96% إذا أضفت إليها المقاعد التي فاز بها النواب الذين خاضوا الانتخابات علي مبادئه وليس ضمن قائمته, وضمت قائمة الفائزين معه, حزبين صغيرين هما السلام الديمقراطي والعدالة الاجتماعية فتح الله علي كل منها بمقعد واحد. ولابد أن هناك أسبابا عديدة لهذه الهزيمة المروعة, يتوجب علي الإخوان المسلمين, أن يبحثوا عن أسبابها الحقيقية داخل عقولهم, وداخل تنظيمهم وفي ممارستهم خلال السنوات الخمس الماضية, إذا أرادوا أن يتجاوزوا النكسة التي حلت بهم, والا يسارعوا بتعليق فأسها في رقبة غيرهم, حتي لا يكونوا كذلك الجنرال البروسي الذي هزم في الحرب, فلما استدعاه القيصر وسأله عن سبب الهزيمة.. قال: هناك يا مولاي33 سببا للهزيمة.. أولها أن هناك قوي دولية تساند أعداءنا سياسيا, وثانيها أن بعضها قد زود العدو بأسلحة تفوق ما لدينا من تسليح, وثالثها أن العدو حصل علي معلومات استخبارية عن خططنا من جيران, ورابعها أن الثلوج عطلت زحف جنودنا.. وخامسها أن العواصف ردمت الخنادق علي جنودنا... ألخ وظل يعدد الأسباب حتي وصل إلي الرقم33 فقال: ثم أن جيشنا يا مولانا.. نسي أن يعبئ أسلحته بالذخائر! ويستطيع الإخوان المسلمون أن يعددوا33 سببا لهزيمتهم في الانتخابات البرلمانية, علي رأسها أن الحزب الوطني كان يخطط لإجلائهم عن مقاعد مجلس الشعب, وهو هدف لم ينكره الحزب الحاكم قبل إجراء الانتخابات أو بعدها, إذ هو هدف مشروع طالما يتم بأساليب ديمقراطية وبالاحتكام إلي صندوق انتخابات يتسم بالنزاهة, لأن الاحزاب السياسية تخوض الانتخابات وهدف كل منها, هو إجلاء الأحزاب المنافسة عن الساحة البرلمانية, والإخوان أنفسهم خاضوا المعركة علي ثلث مقاعد مجلس الشعب, بهدف إقصاء الحزب الوطني وغيره من الأحزاب عن هذه المقاعد, وباستثناء الحزب الناصري و حزب التجمع اللذين اتفقا علي ألا يتنافسا علي أي مقعد, فقد تنافست أحزاب وجماعات المعارضة مع بعضها البعض, علي نفس المقعد, وهو خطأ فادح أدمنت أحزاب المعارضة الوقوع فيه منذ انتخابات1976, وفشلت كل محاولات اقناعها بالعدول عنه.. بل إن مرشحي الحزب الوطني نفسه, خاضوا الانتخابات متنافسين, بإقرار من الحزب, ومن دون اقرار منه. ويستطيع الإخوان المسلمون, أن يقولوا إن السبب الثاني في قائمة الأسباب ال33 التي أدت إلي حصولهم علي لقب الخاسر الأكبر والوحيد, يكمن في أن العملية الانتخابية قد شابتها حالة من الفوضي والعنف والبلطجة واستخدام المال, وتدخلات أدت إلي تزويرها, وهو احتمال وارد, وشكوي متكررة, ينكرها الحزب الوطني الذي يؤكد قادته أنه خطط لاسقاط مرشحي الإخوان استنادا إلي دراسات لطبيعة مجتمع الناخبين وقياسات لحجم شعبية مرشح, في كل دائرة من الدوائر التي خاضوا فيها الانتخابات, ووضع لكل دائرة وكل مرشح, خطة انتخابية محكمة, تتغير اختيار المرشح القادر علي اسقاط مرشح الإخوان, أو اختيار أكثر من مرشح لكي تتفتت الأصوات, مما يحول بينه وبين النجاح, وهي كلها مناورات انتخابية مشروعة, لكنها مع ذلك لم تحقق للحزب الوطني, في المرحلة الأولي من الانتخابات كل أهدافه, إذ أسفرت عن بقاء27 من مرشحي الإخوان لمرحلة الإعادة, كان الحزب الوطني يتوقع فوز13 منهم, لولا أن الإخوان وفروا عليه جهد العمل علي اسقاطهم, فقرروا الانسحاب من جولة الاعادة, بدعوي أن الانتخابات قد زورت ضدهم. ذلك احتمال كان يمكن أن يكون واردا, لولا أن الأرقام التي أذاعها د.عبدالمنعم سعيد في المقال الذي نشرته له الأهرام يوم السبت الماضي, تقول إن الطعون التي تقدمت إلي مجلس الشعب في صحة عضوية النواب الفائزين في الجولة الأولي من الانتخابات, والتي أحيلت إلي محكمة النقض للبت فيها, بلغت288 طعنا قدمها مرشحون آخرون, يلفت النظر كما يضيف د.سعيد أنه ليس من بينها طعن واحد تقدم به أحد مرشحي جماعة الإخوان الذين لم يفوزوا في هذه الجولة! والسؤال الآن: إذا كانت جماعة الإخوان تبرر فشل مرشحيها في الانتخابات بالتزوير الذي جري ضدها.. سواء قام به منافسوهم من مرشحي الحزب الوطني أو قامت به الادارة, وتؤكد أن خطتها المقبلة, ستقوم علي فضح هذا التزوير, والكشف عن ملابساته, وملاحقة المجلس القائم قضائيا حتي يتم حله, فلماذا لم تتخذ الخطوة الأولي في هذا الطريق, وهي أن تتقدم ب113 طعنا, ضد نواب الوطني الذين فازوا بالمقاعد التي خسرتها في الجولة الأولي, ولماذا تكون ملكية أكثر من الملك, فتعفف عن الطعن في أحقية هؤلاء النواب في المقاعد التي حصلوا عليها بالتزوير, بينما لم يتعفف عن ذلك زملاؤهم من الحزب نفسه؟.. وكيف يمكن ملاحقة المجلس قانونيا لاسقاطه, وإذا كان الإخوان المسلمون يجاملون نواب الحزب الوطني الذين اسقطوهم في الانتخابات, ويقرونهم علي أنهم حصلوا عليها دون تزوير؟! ألا يعني ذلك أن الأسباب ال32 التي يبرر بها الإخوان المسلمون هزيمتهم في الانتخابات, حتي لو كانت صحيحة, هي أسباب فرعية وهامشية, وأن السبب الحقيقي لهزيمتهم هو السبب الثالث والثلاثون.. أليس من الأجدي للإخوان المسلمين, أن يبحثوا عن أسباب نفاد أو فساد ذخيرتهم التي أدت إلي خروجهم من الانتخابات بلقب الخاسر الأكبر.. والوحيد؟