استطاعت السينارست الشابة مريم نعوم على مدار السنوات الأخيرة أن تصل لكل البيوت المصرية بأعمالها الدرامية التى أمتعت بها المشاهدين أحيانا وأبكتهم فى أحيان أخرى وصدمتهم، دخلت لعالم الشهرة بفيلم “واحد صفر” الذى أثار جدلا كبيرا بعد عرضه، لكنه في الوقت ذاته وضعها على قائمة أفضل كتاب السيناريو، لتعبر بعد ذلك من عالم السينما إلى التليفزيون وتغزو المنازل بأعمال مختلفة لجأت فى بعضها لروايات مهمة لكتاب كبار وحولتها لدراما تليفزيونية بنكهتها الخاصة، فقدمت “ذات” لصنع الله إبراهيم و”موجة حارة” عن “منخفض الهند الموسمي” لأسامة أنور عكاشة، وأخذت من فتحية العسال مسرحية “سجن النسا” لتقدمها فى صورة جديدة تماما تعبر عن سجن القناطر وجرائم الألفية الجديدة وتستعد الآن ل”واحة الغروب” لبهاء طاهر، وفى حوارها مع الأهرام المسائى تتحدث مريم عن تجربتها وآمالها فى مستقبل أفضل لمصر: - ما الذي تتمنينه لمستقبل بلدك؟ - امنياتى هى امنيات المصريين جميعا، وهى امنيات بسيطة أولها تحقيق العدالة الاجتماعية والعمل على أنفسنا بشكل حقيقى حتى نتقدم، التعليم هو الخطوة الأولى والاهم، وإذا لم ننتبه اليه لن نصل إلى إي شيء وسنظل دائما فى الخلف. - ما رأيك فى حال السينما؟ - لدى أمل فى أن تتطور السينما بشكل أفضل فى المرحلة المقبلة، ويدرك المنتجون انه لا مانع أبدا من إنتاج الافلام التى تسمى بالتجارية وفى الوقت نفسه تنتج الافلام التى نسميها بالفنية، فصناع الافلام الأخيرة لديهم الاستعداد للعمل بأجور بسيطة فى سبيل تقديم أفلام مميزة واغلب أفكارهم لا تتطلب الكثير من التكاليف وبالتالى فهذه الافلام لا تكلف جهات الإنتاج الكثير ولكن هذه الافلام فى النهاية هى التى تسافر وتمثل مصر فى المهرجانات فى إنحاء العالم وتؤكد أن مصر لديها فن حقيقى تصدره للعالم، السينما هى المنفذ الوحيد الذى تحقق فيه هذا فى الوقت الذى لم تستطع ايا من الفنون الأخرى تحقيقه، فلماذا لا نهتم بها، لا نطلب من المنتجين أن يخسروا أموالهم كل ما نطلبه منهم أن يقدمو النوعين معا، وأن يتيحو الفرصة للأفلام الفنية للعرض فى الصالات ولا يحتكرونها للأفلام التجارية والاجنبية فقط، واعتقد انه لابد من تدخل الدولة ومساهمتها ودعمها للإنتاج السينمائى وتعيد فكرة جهاز السينما ودوره فى انتاج الافلام، لدينا أفلام جيدة فعلا وتحصد الجوائز فى الخارج لكنها مازالت قليلة وفرص إنتاجها محدودة وبحاجة لدعم اكبر. - وماذا عن مستقبل الدراما؟ - اعتقد ان الدراما تسير بخطوات جيدة، حتى ولو كنا ننتج 40 مسلسلا ونخرج من بينها ب10 مسلسلات جيدة هى فى رأيي نسبة جيدة رغم انى كنت اتمنى الدمج بمعنى انه بدلا من أن يكون لكل نجم مسلسله الخاص يشارك عدد من النجوم فى عمل واحد مميز واكبر واهم كما كان يحدث فى الماضى، “ليالى الحلمية” على سبيل المثال كان فيها نجمان من الكبار يحيى الفخرانى وصلاح السعدنى واخرون ايضا وقدما المسلسل معا، أتمنى أن نفكر أكثر فى مصلحة العمل الفنى اكثر من التفكير فى مصلحة النجم، لا يقلل من احد ان تقف نجمة كبيرة امام نجم كبير فى عمل ما. - ما موضوع المسلسل الجديد “تحت السيطرة”؟ - هو مسلسل اجتماعى يتناول مشاكل متنوعة والإدمان احدها، ولا أريد الحديث عن تفاصيل أخرى عنه الا بعد عرضه. - لماذا ابتعدتى فى “سجن النسا” عن المعتقلة السياسية التى كانت محور مسرحية فتحية العسال؟ - لم نأخذ من المسرحية اى شيء سوى اسمها وفكرة السجن لأسباب مختلفة منها اختلاف الزمن فى المقام الأول، فالمسرحية تعبر عن تجربتها الشخصية واعتقالها فى نهاية فترة حكم السادات، ثانيا أن السجن نفسه اختلف، اتخذت قراري بتغيير النص تماما بعد زيارتى للسجن، لأن مرجعيتى عن السجن كانت من القراءة والتليفزيون وبعد الزيارة اكتشفت انه مختلف تماما عن هذه الصورة وعن المسرحية لان السجن تغير، فربما تكون أسماء الجرائم كما هى ولكن أنواعها اختلفت وطريقة ممارسة الجريمة اختلفت، لذلك قررت العمل بوجهة نظر ومنظور مختلف، خاصة واني فى هذه اللحظة بالتحديد لم أكن أريد الكتابة عن الاعتقال السياسي رغم اننى اشعر بالفعل انه مشكلة كبيرة، وصحيح انه فى الوقت الذى بدأت فيه الكتابة لم يكن عدد المعتقلات بالكم الذى نراه الآن، ولكنى كنت اشعر أيضا أن لدينا مشاكل وأزمات اجتماعية كبيرة تتسبب فى دخول النساء السجن بدون اختيار منهم، بمعنى أن المعتقلة السياسية تدافع عن قضية معينة وتعى وتدرك تماما انها من الممكن ان تتعرض للسجن بسببها، بينما تتعرض المرأة العادية غير مخيرة وغالبا ما تدخله بسبب استغلال اخرين لها لأنها لا تعى مثلا انها قد تتعرض للسجن اذا وقعت على ايصال امانة بدلا من ابنها او زوجها، او أن الحقيبة التى تحملها لشخص اخر بداخلها مخدرات، بالتأكيد هناك نماذج اخرى من معتادى الاجرام وتمارس الجريمة باختيارها، ولكن شريحة كبيرة من السجينات غير معتادة على حياة الاجرام والسجن ولم تخطئ باختيارها، وارى أن مناقشة هذه الفكرة بالتحديد فى الوقت الحالى كانت مهمة لأنها توضح الكثير من الامور فى المجتمع، اهمها أن القهر والظلم يولد الاجرام والبعض يلجأ للجريمة بحثا عن الطعام والحد الادنى من متطلبات الحياة. - هل العنف فى الدراما تسبب فى زيادة العنف فى المجتمع؟ - العمل الدرامى مرآة للمجتمع، ونادرا ما يكون العمل الدرامى هو المؤثر الأول على المجتمع والسبب فى التحريض على العنف، ولكن المشكلة هى طريقة التناول والطريقة التى يستخدمها المؤلف ليعكس بها ما يحدث فى المجتمع، فمن الممكن أن يعكس الأحداث ويجملها ومن الممكن أن يعكسها ليدينها، طريقة التناول هى الفيصل فمن الممكن أن نضع الناس إمام المرآة لكى يكتشفو إننا فى مرحلة صعبة ونحتاج لوقفة مع أنفسنا لتصحيح سلبياتنا ومواجهتها، ومن الممكن لعمل أخر أن يضعهم إمام المرآة ليقول ان الفتونة والبلطجة هى المسيطرة وأنك لن تحصل على حقك الا بالبلطجة، طريقة التناول هى التى تحكم على العمل وتأثيره فى المجتمع. - وهل الأعمال الدرامية التى عرضت فى السنوات الأخيرة حققت هذه المعادلة؟ - بعض الإعمال حققت هذه الفكرة والبعض الاخر لا، ولكنى لست متابعة جيدة للإعمال الدرامية ولا استطيع أن احكم على العمل الا اذا شاهدته كاملا، لابد من مشاهدتها بشكل جيدا جدا قبل الحكم عليها حتى نعرف جيدا ما السبب وراء هذا العنف وما أدى إليه، ولكن من ناحية أخرى لا أنكر أن البعض يتعامل مع العنف فى الدراما على انه “موضة” ولها ايجابياتها!. - ولكن البعض يرى أن العنف على الشاشة أحيانا ما يرفع نسب الإحباط والاكتئاب بين المشاهدين؟ - ليس من المعقول أن نكتئب من الأشياء عندما نراها على الشاشة بينما نحن نعيشها بالفعل فى الواقع، السبب وراء الاكتئاب هو إننا نعيشها وليس لأننا نشاهدها فى الدراما، ثانيا لا يمكن أن نكون منفصلين عن العالم بمعنى أن نعيش ظروفا قاسية وتحت وطأة الظلم الاجتماعى، واقدم طوال الوقت موضوعات جميلة وممتعة حتى يسعد الناس ب”الفرجة”، لأن معنى هذا انى لا اقوم بدورى الاجتماعى كفنانة، بالإضافة الى أن هناك فئة من الناس فى مجتمعنا لا تعرف اى شىء عن الفئات الأخرى والإعمال الدرامية تحمل لهم رسالة مجملها “على فكرة انتم مش عايشين لوحدكم فى الدنيا، قد تكونو من القلائل المحظوظين، ولكن الكثيرين غيركم يعانون”، وعندما نظهر لهم هذا ربما يتعاطفون ويحاولون المساهمة فى رفع المعاناة عن الآخرين او يكتفون بحمد الله على أنهم ليسو فى نفس الموقف، تجميل الحقيقة فى رأيي لا يساعد الشعوب التى تمر بظروف مثل ظروفنا فنحن بحاجة للعمل على أنفسنا لفترة طويلة حتى نخرج من أزمتنا. دراما الثمانينيات والتسعينيات لجأت للمثالية وانتصار الخير على الشر وتقارن دائما بالإعمال التى نراها حاليا؟ الواقع أبشع بكثير من الدراما، بل إننا نفكر باستمرار مع وقوع الإحداث اننا اذا قمنا بكتابتها فى عمل درامى لن يصدقها المتلقى وقد يعتبرها نوع من المبالغة، بينما تخطى الواقع الخيال بكثير، ولا توجد مبالغة بل على العكس نحاول فى كتابتنا أن نقلل من حدة وفظاعة الواقع بعض الشيء، وكون الجيل الذى سبقنا كانت نظرته مثالية او اكثر ايجابية منا فأعتقد أن هذا يرجع إلى أنهم نتاج مرحلة مختلفة عنا تماما، فشبابهم كان فى مرحلة الانتصار بينما قضينا نحن شبابنا فى مرحلة انكسار، بمعنى أن ال30 سنة التى تفتح فيها وعينا، هى أكثر 30 سنة فساد فى مصر، وتدهور على مستوى التعليم والثقافة والصحة والفن والشوارع وظهور العشوائيات، وصلنا بالفعل للانهيار، بالإضافة إلى أن هذا الجيل حضر عبدالناصر وانتصار أكتوبر وفترات صاحبها زخم ثقافى وفنى، وكانت سينما الستينات ثرية وغنية جدا لذلك تعتبر نظرتهم منطقية، كما انه لم يكن لديهم نفس التطور فى الميديا مثل الذى نشهده الآن، الذى يجعلنا نشاهد الحوادث بتفاصليها فور وقوعها ونعرف بكل الحوادث تقريبا، فى حين كان نادرا ما يقرأ الناس عن حادث فى الصحف فى العقود السابقة ربما يكون حادثا واحدا من بين 100 حادث وقع فى الحقيقة ولكن لا احد يعرف عنه شيء، نحن محاصرون الان بكم كبير من القهر والعنف والظلم. - ما سر حبك لتحويل الأعمال الأدبية لسيناريوهات درامية؟ - أحب الأدب بالتأكيد، ولكن الصدفة هى السبب فى تكرار الاعمال المأخوذة عن روايات، وهذا جعل المنتجين يضعوننى فى هذه المنطقة ويعتبروننى الاختيار الاول، ولكن فيلمى “واحد صفر” لم يكن عن نص ادبي، وأول مسلسل قدمته ايضا لم يكن عن نص ادبي ومسلسلى الجديد “تحت السيطرة” ليس عن نصا ادبيا لأنى أريد ان اخرج من هذه الدائرة وارفض أن يتم حصري فى جانب واحد، سواء كان تحويل الإعمال الأدبية أو الدفاع عن قضايا المرأة فقط لأنى أفضل أن تكون مساحة العمل واسعة امامي. - وماذا عن “واحة الغروب” لبهاء طاهر؟ - “واحة الغروب” مؤجلة للعام المقبل، لأن النص صعب ويحتاج لفترة طويلة من التحضيرات، نظرا لأن العمل على مكان مثل سيوة ليس سهلا الى جانب أن الأمر لا يقتصر على التصوير فى سيوة فقط وإنما أيضا القصة فى فترة زمنية قديمة ترجع للقرن التاسع عشر، لذلك يحتاج لاستعدادات وبحث قوى قبل الكتابة أو التصوير. - وهل لديك تعديلات على القصة؟ - بالتأكيد لأنى لا أحب أن اكتفى بتحويل النص الادبى لعمل درامى كما هو، النص الادبى بالنسبة لى هو مجرد مرحلة وحجر أساس لابد أن أتطور بعده وأقدم نصا مختلفا سواء فى فيلم او مسلسل درامى، وارى أن تجربتى مختلفة عن تجربة الاديب صاحب النص الاصلى حتى لو كان انضج واهم مني، لأني لا امتلك نفس تجربته ولست من نفس الجيل، اغلب الإعمال التى قدمتها لكتاب كبار من جيل مختلف تماما، وبالتالى لن استطيع ابدا أن أقدم نصه بنفس روحه، مثلا فى “ذات” او “واحة الغروب” او”موجة حارة” هناك فارق أجيال بينى وبين الكتاب الأصلين، بالإضافة لاختلاف أخر وهو أنى امرأة وهم رجال ولابد ان تؤثر هذه الاختلافات بيننا فى الرؤية وطريقة التناول. - وما الذى جذبك للعمل على “واحة الغروب”؟ - كل الروايات التى قدمتها فى اعمالى السابقة عرضت علي من منتجين أو مخرجين، فيما عدا “واحة الغروب” هى الوحيدة التى جذبتنى منذ أكثر من ثلاث سنوات وقررت العمل عليها، وذهبت للأستاذ بهاء طاهر استأذنه فى ذلك ورحب جدا، لكنى بحثت عن جهة إنتاج تدعم المشروع وللأسف لم اجد فى البداية، الى أن تحمس له المنتج جمال العدل وطلب منى أن ابدأ العمل على الرواية وتحمست كاملة أبوذكري أيضا لإخراجه، استهوتنى لأنها تتحدث عن منطقة فى مصر لكننا نشعر دائما أنها خارج مصر وارفض تسميتها بالمهمشة لكنها تعبر عن ثقافة مختلفة داخل ثقافة أخرى اكبر واعم، ولدى إحساس انه ليس بالضرورة أن نطمس هذه الثقافة حتى ندمج أهلها بين المصريين.