ورقة أخرى تطوى من سجل التاريخ تاركة وراءها عاما لا يمكن اعتباره إلا صعبا، إن لم نقل كارثيا، بالنظر إلى واقع الحروب المستمرة، وحوادث التطرف والإرهاب التى وقعت فيه والتى اهتزت لها مدن وشوارع وميادين، واهتزت معها مشاعر الملايين ممن عايشوا تلك الأحداث ووقعوا ضحية لها أو تابعوها عبر الشاشات. ففلسطين لا تزال تدفع ثمن التعنت الإسرائيلى والخزلان العربى والدولى، ونتيجة العملية العسكرية ضد غزة هذه السنة كان نحو 2200 شهيد وتدمير ما يقرب من 120 ألف منزل، وإسقاط آلاف الجرحى. أما سوريا التى شهدت انتخاب الأسد رئيسا، فهى لا تزال تدفع فاتورة الصراعات الداخلية والتجاذبات الإقليمية والدولية باستمرار الحرب فيها بين النظام ومعارضيه للسنة الرابعة، وهى الحرب التى سقط ضحيتها مئات الآلاف ونزح فيها الملايين، وانهارت الدولة ولم يبق من سوريا سوى ملامح أشباه مدن تحت الأنقاض. بينما ليبيا تخطو نحو المجهول، فلا ملامح لوجود الدولة أساسا، بعدما انهارت المؤسسات، وانقسمت إلى برلمانين، واحد يطالب بتدخل دولى، والثانى ينادى بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى. وبات السلاح هو أداة الضغط ولغة الحوار بين الطرفين، بينما تحولت مدينة درنة إلى مقر للإرهابيين. أما اليمن فقد سجلت هذه السنة زيادة العنف وسيطرة الحوثيين على أغلبية المناطق. ولأن مصر تخوض حربا مفتوحة ضد الإخوان، فقد وقعت، خلال السنة المنتهية، ضحية لمجموعة من الأحداث الإرهابية التى تدفع ثمنها باهظا، والتى لن تؤثر فى مصر فقط ولكن فى المنطقة ككل. بينما استفادت تونس من تجربة مصر واختارت الحل الديمقراطى بديلا للصراع السياسى والعنف المادى الذى تحاول أن تحد منه باجتهاد كبير. فيما يبقى ظهور تنظيم داعش، الذى خرج من العراق ودخل إلى سوريا عبر الحدود التركية، الحدث الأبرز فى السنة والخطر الحقيقى الذى يهدد ليس فقط المنطقة العربية وإنما العالم أجمع، رغم الحذر الاستباقى الذى تنهجه بعض الدول منها المغرب، بعدما انتعش (داعش) من ركام الحرب الأهلية والتجاذبات الإقليمية فى سوريا، وعاد للتوسع مرة أخرى فى العراق بسبب سياساتها الطائفية وفراغها الأمنى والعسكرى، وبات يهدد بالانتشار فى باقى المنطقة (الهشة بعد صقيع ثوراتها) ويمارس ساديته على ساكنتها. ولأن الحروب هى أيضا نوع من أنواع التطرف والإرهاب الذى تمارسه الدول والجماعات المسلحة، فيبقى "الإرهاب" بكل صوره وتجلياته النقطة السوداء التى ميزت السنة التى غادرتنا دون أن تقفل قوسه أو تضع نهاية لسيناريوهات، تاركة كل الاحتمالات مفتوحة ومرهونة بالاستراتيجيات والسياسات التى نتمنى أن يتم التقيد بها وتنفيذها فى السنة الجديدة لوضع حد لزحفه الذى بات يهدد الكثير من البلدان العربية وغيرها، ويجعلها فى حالة تأهب قصوى، بعدما كشف مؤشر الإرهاب العالمى أن مستواه فى العالم يأخذ مسارا تصاعديا. 2014 كانت سنة التشرذم العربى، وتفريخ وانتعاش التنظيمات الإرهابية وطفوها على السطح بعدما وجدت فى التحولات التى عرفتها المنطقة ومختلف الصراعات التى أنتجتها تلك التحولات، أرضية خصبة للبزوغ والانتشار مادام هناك من يدعمها ويمولها لتصفية حساباته السياسية قبل أن يعلن تحالفه ضدها. والإرهاب هو التحدى الأصعب فى 2015، ومكافحته، من خلال تبنى استراتيجية شاملة، هو المصلحة المشتركة التى يجب أن يتفق عليها المنتظم الدولى ليس فقط بالقضاء على أحد فروعه، وإنما القضاء على كل مظاهره والبدء بالأصل والمنبع الذى لن تستطيع دولة بحربها المنفردة ضده أن تتخلص منه، وأن تخلص العالم من فكره المتطرف وأفكاره المتشددة التى يغرسها بذرة فى العقول تبقى قابلة أن تتحول إلى مشروع إرهاب قادر أن يفتك بأوطاننا جميعا.