توقع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن تكون زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة الي بكين نواة لمشروع اقتصادي كبير, يتوج بانضمام مصر لمجموعة الدول النامية القوية في الاقتصاد العالمي المعروفة ب البريكس , مشيرا إلي أن الهدف الرئيسي للمجموعة التي تمثل أكثر22% من اقتصاد العالم التي تضم البرازيلوروسياوالهندوالصين وجنوب إفريقيا, هو الخروج من السيطرة الأمريكية, وعدم التقيد بنظام الدولار علي نحو ما يجري منذ فترة, وقال هيكل إن الاشارات الموجودة حاليا تقول بأن هناك مشروعا ينتظرنا, وأن الخطوات يجب أن تسير في هذا الاتجاه في هذا التجمع المحدود ذي القوة الاقتصادية. وقال الكاتب الكبير إن مصر لا يمكن ان تتحرك بمفردها في العالم, مشيرا الي أن عصر المقاتل الوحيد انتهي, وهو ما يعني نهاية انفراد الولايات المتحدةالامريكية بإدارة شؤون العالم, فالأنظمة التي تبدأ في التراجع, بعد ظهور فشلها, تقوم محلها أنظمة اخري تبدأ في التقدم, وقال الكاتب الكبير إن الولايات المتحدةالامريكية تعيش الآن مرحلة هبوط الإمبراطورية الامريكية, في مقابل ظهور الصين, التي تقف علي قائمة الدولة المؤهلة للصعود في العالم في عام2015 ومن بعدها الهند, لكن هيكل أضاف: الصعود هنا ليس سلما وانما سيتم عبر عملية مستمرة بخطوات دءوبة, وبأهداف محددة وطريق واضح. وكان الكاتب الكبير يتحدث ليلة امس في الجزء الثالث والأخير من حواره مع الإعلامية لميس الحديدي علي فضائية سي بي سي المصرية, عندما توقع ان تلعب روسيا دورا كبيرا في ادارة التوازن بين دول العالم في العام الجديد, مشيرا الي ان الامبراطورية السوفيتية قضت بطريقة مهينة, بعد ان خرجت روسيا من تسوية الحرب الباردة بمهانة, وانها كانت تشعر بأن القيادة في ذلك الوقت لم تكن علي مستوي التحدي, لكنها تدرك الآن أن وقت التصحيح قد جاء. وقال الكاتب الكبير ان العالم العربي يستطيع ان يلعب دورا في العام المقبل, اذا ما ادرك مكامن القوة فيه, وعلي رأسها ما وصفه ب القوة السائلة, مشيرا الي أن عودة العالم العربي الي الخريطة الدولية مرهون بإدارة هذه القوة, فنحن لدينا الثروة ممثلة في المال السائل, والغاز والبترول, وهي أشياء تمنحنا القوة والقدرة, لكن ذلك كله يقتضي أن تدار من مركز واحد. ولفت هيكل الي نوعين للقوة, إحداهما القوة الصلبة وما تمثله من سلاح, وما هو خلفه من المال والقوة الاقتصادية, ثم القوة الناعمة, حيث تقول انجلترا مثلا بأن اللغة الانجليزية هي لغة المستقبل, وفرنسا بأنها الفن والاناقة, وأضاف: لقد بدأنا نشعر بالقوة بعد حرب عام1973 بعد الاداء العسكري الهائل, وعندها بدأ القرار يظهر العالم العربي في شكل قوة, لكنها ليست القوة الصلبة ولا القوة الناعمة, لكن قوة سائلة بوسائل تمثلت في النقد والبترول ومجمل العلاقات. وقال الكاتب الكبير إن القاهرة في وقت من الأوقات كانت تتمتع ب قوة ناعمة كان لها صوت مسموع, قبل أن تنتقل في وقت لاحق الي بيروت التي أخذت دورا مهما لانها اصبحت القاعدة الخلفية لأموال البترول, ثم انتقل المركز بعد ذلك الي الكويت ومنها الي دبي, فيما الدوحة تحاول المنافسة, والرياض تفرض هيمنة وسيطرة, لكن ذلك كله يقول بأن الهيمنة والسيطرة في العالم العربي تحركها وسائل سائلة وليست صلبة في حد ذاتها, وهو نوع جديد من القوة كان علينا إدارته بجدية, لأن اخطر شيء في هذا النوع هو الانفلات, اذا لم يدر من مركز واحد, لأنه يتسرب مثل المياه. وأوضح هيكل أن احد ابرز عوامل نجاح القوة السائلة, هو ان تجد مركزا يدير قوتها المتدفقة, مشيرا الي أن مصر كانت تقوم بهذا الدور في وقت من الأوقات, ثم تلقفته المملكة العربية السعودية, فيما تحاول الامارات ان تقوم بهذا الدور الآن, لأن القوة السائلة تحتاج دائما الي قيادة وضبط. وعرج الكاتب الكبير علي الانتخابات التونسية وما اسفرت عنه من نتائج, واصفا ما جري في تونس بانه انتقال منطقي جدا, من نظام بن علي إلي نظام جديد لايزال يتشكل, لكن حجم التغير فيه ليس كبيرا كما هو الحال في مصر, وقال هيكل إن فوز السبسي ب55.5% من الأصوات, علي منافسه المرزوقي يعني ان الاخير لم يكن مرشحا إسلاميا, لكنه كان مدعوما من التيار الإسلامي, وقال هيكل: أنا أعتقد أن هذا الوضع بالنسبة لتونس هو وضع معقول جدا, ويثبت ان قوة تيار الاسلام السياسي ليست كما كنا نتصور, وليست كما يدعي بعض الناس, وقال هيكل إن التيار الاسلامي في تونس يختلف تماما عن الاخوان, حتي راشد الغنوشي, فلم يقم حزب النهضة مثلا علي جماعة غامضة, لم تشكل تنظيما سريا ولا مكان للاغتيالات في تاريخها, وبرنامجها سياسي, بل ان مكتب الارشاد التابع للجماعة هناك, نشأ علي الطريقة الأوروبية, لأن تونس عبارة عن لسان خارج من إفريقيا صوب أوروبا, حيث التاثير الأوروبي موجود بقوة. ولفت هيكل الي سلسلة لقاءات جمعته وراشد الغنوشي, مشيرا الي أنه ادرك منذ اللحظة الاولي يقينا, أن هذا الرجل يعرف عصره, وأن الاخوان في تونس لم يتأثروا بسيد قطب, وأنهم ينتمون إلي الاسلام السمح الاندلسي, وقال هيكل ان بورقيبة أحدث فرقا في التعليم في تونس يستحق الاهتمام, وكلها جملة من العوامل أدت الي ان الانتقال في تونس من نظام إلي نظام, يكون أيسر من مصر, لأن الفساد في تونس لم يكن بهذه الدرجة من العمق, مثلما كان الحال في مصر, ففساد دولة قابل للإصلاح, لكن دولة فساد تحتاج الي تغيير كبير جدا. وقال هيكل: كنت اتمني لو تصرف الاخوان في مصر كحزب سياسي, لكنهم مع الاسف الشديد, لم يفعلوا, وهذا احد اكبر أخطائهم, وقد خرجوا من الحكم أكثر فداحة وفظاعة مما لو بقوا في الحكم, فهم لم يتصرفوا كحزب سياسي واثبتوا أنهم لا يعرفون معني السياسة, لأننا في النهاية كان بامكاننا أن نتحدث عن معادلات سياسية, وليس التحدث عن خلافة, ولا مشروع من الخارج تقوده تركيا. وقال الكاتب الكبير إن تيار الإسلام السياسي يثبت كل يوم أنه لا يملك رؤية للمستقبل, مشيرا الي أن أول كارثة حلت بالإسلام السياسي, تمثلت في تجربة الاخوان في مصر, وقد كان عليهم الالتزام بنصيحة الغنوشي عندما قال لهم لا تتصرفوا كتنظيم دولي أو جماعة أو كإرهاب, وقد جاءت لهم هذه النصيحة من داخل جناج عاقل وفاهم ومتصل بالعصر من داخل تونس, ولو كانوا عقلاء لكانوا التزموا بهذه النصيحة, لكن الازمة الحقيقية بدأت مع تجربة الحكم التي لم تكن مستنيرة أو مفيدة علي الاطلاق و لا نافعة. ووصف الكاتب الكبير المصالحة المصرية القطرية بأنها خطوة علي الطريق الصحيح, مشيرا الي أن اغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر, عقب اعلان نجاح مبادرة الملك عبد الله, كان قرارا قطريا لمصلحة قطرية مباشرة, وليس له علاقة بمصر, وقال هيكل: إن القيادة القطرية ادركت أنها وقعت في خطأ ببث الجزيرة مباشر مصر, مضيفا: أعتقد أن القيادة القطرية أدركت بعد لحظة حماس, أن هذا المشروع خطأ, وأنه قد أضر بهم دون قصد, وقد قلت لهم سابقا ان هذا أمر خطأ, وسيكون مستفزا للشعب المصري, لكنهم لم يصدقوا ذلك في بداية الامر, وقال هيكل: اعتقد ان القيادة القطرية وجدت أن الجزيرة مباشر مصر أصبحت نقطة تجمع سياسي لانصار الاخوان, وتحولت الي ذريعة لتجمعهم في الدوحة, بحجة أنهم يخدمون في القناة, وهو ما سبب نوعا من القلق للقيادة القطرية, لذا فانني أعتقد أن القرار كان موجودا, لكنه كان ينتظر اللحظة المناسبة, وقد كانت خطوة في منتهي الذكاء, لكنه ذكاء قطري. وقال هيكل إن قطر تستعمل الاخوان في إطار لعبة كبيرة في المنطقة, لكن هذا التجمع السياسي في هذه البؤرة للإخوان, كان مثيرا للقلق, بينما القطريون يريدون استعمال وسائلهم الخطرة من بعيد, مشيرا الي أن القيادة القطرية ترغب في استعمال الاخوان بالريموت كنترول, وأن تمنحهم ما يريدون, لكنها لا تريد ان تعطيهم فرصة للتجمع علي أرضها, وقال هيكل إن الموقف القطري يجسد رؤية من مشروع معين, لم يستسلم بعد, وهو مشروع أمريكي تركي, وأضاف هيكل أن هذا المشروع تلقي ضربات وأحواله تأثرت, لكنه لايزال قائما, لأن المشروعات لا تحزم حقائبها وترحل بهذه البساطة. وأوضح هيكل أن هدف قطر ليس مصر في هذه اللحظة, وبالتالي لابد أن نعرف أن قوتنا الذاتية هي اساس كل شيء, بداية من معرفة مواردنا الانسانية والتاريخية والجغرافية, اذ لابد أن نعرف أن هذا البلد له قيمة, ومن هنا تبدأ حركته السياسية, خاصة اننا نتحدث عن صراع كبير دائر في المنطقة, وعلي المنطقة. ووصف الكاتب الكبير الرئيس الاسبق أنور السادات بأنه رجل تم اغتياله مرتين, مرة في كامب ديفيد, ومرة علي يد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر, مشيرا الي ما تضمنته أوراق الرئيس الأمريكي الاسبق من شهادات علي ما دار في مباحثات كامب ديفيد, فيرد السادات قائلا: إذا تعهدت لي سوف أبقي وقال الكاتب الكبير إن الولايات المتحدة توظف كل شئ امامها الآن من اجل استمرار هيمنتها علي المنطقة العربية, مشيرا الي أن القوة عندما تجد نفسها مضطرة للتراجع, تبحث عن انتصارات ولو علي حسابات آخرين, وتخدم تراجع قوتها بزيادة العنف, وقال هيكل إن الحروب التي خاضتها امريكا سواء في أفغانستان أو العراق, تكشف عن سلوك امبراطورية فقدت وسائلها في القوة الحقيقة, وتغطي التراجع باستخدام اخرين بالعنف, مشيرا الي أن كل ما يخشاه من داعش في المستقبل القريب, هو ان تجد مع الضعف الموجود في العالم العربي, فرصة لما وصفه بالارهاب الاستثماري, وقال هيكل إن داعش جاءت وقامت بالاستيلاء علي قطعة أرض بين سورياوالعراق, واستولت علي آبار بترول, وتقوم الان بتصدير نصف مليون طن يوميا, وبالتالي أجد من الخوف أن تجد النصرة فرصة لأن تستولي علي أرض, وتقيم مشروعا استثماريا علي غرار داعش. وقال هيكل إن العالم العربي يجب ان يدرس جيدا اليوم, كيف يمكنه أن يدير ما تبقي له من موارد, تحت إدارة متسقة بشكل ما, وفاهمة بشكل ما, وتساعد في ترتيب الأحوال, وذلك عن طريق انشاء تحالف عربي, لادارة القوة السائلة وأن يكون له مجري له ضفاف وله هدف, مشيرا الي ان الخطر الحقيقي يتمثل في أن يحول الارهاب نفسه لدولة لها موارد. ودعا الكاتب الكبير الي أن تدار الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر, بطريقة معقولة, حتي يستطيع أن يقول الشعب رأيه, وطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بان يساعد مرشحيه, الذين وصفهم بأنهم مرشحو المستقبل والامل, حتي يمكن ان يساعدوه برلمانيا وبطريقة ديمقراطية, في تجاوز الجسر الصعب الذي نحن فيه, وقال الكاتب الكبير: إنني اري حالة من الفوضي موجودة, يجسدها التنازع القائم, وحالة الاحزاب وإرهاب الاخوان, والامر هنا يقتضي إدارة التناقضات السياسية, ودعا هيكل السيسي إلي جولة تشاور مع كل القوي, وأن يبحث عن عناصر جديدة وهي موجودة بالفعل, مجددا دعوته الي انشاء كيان سياسي ما, جامع لأكبر قدر ممكن, يسميه حزب أو جبهة وطنية, وقال هيكل: أعتقد ان السيسي من الصعب عليه أن يؤسس حزبا, لكن بوسعه ان يقود تحالفا, علي اساس رؤية, لانه في النهاية رجل قادم ويريد ان ينفذ ويهتم بالتنفيذ, أكثر من اهتمامه بالتنظير أو الرؤي, لكن كل شيء لابد أن يحدث في إطار سياسي, هو أمامه تحد, إذا لم تكن تريد حزبا فأمامك تحالف أو جبهة وطنية. وقال هيكل إن هذا التحالف سيكون هو السبيل الوحيد لمواجهة ما وصفه ب أوهام البعض, الذين تابعوا ما حدث في تونس, وتصوروا أنه عودة للماضي, وهو تصور موجود منذ براءة مبارك, من أول حملة العلاقات العامة التي أديرت لاظهار أن الرجل غلبان ولم يفعل شيئا, وقال هيكل: البعض يقول اغلقوا ملفات الماضي وانظروا إلي المستقبل, وانا أريد أن اقول إنه إذا أخذت كل شيء بمنطق طي صفحة الماضي, والنظر إلي المستقبل, فان ذلك يعني اغلاق ملفات الماضي كما ينبغي, وعلي ضوء حقائق حقيقية, والا فسوف تظل أشباحه تطاردنا في المستقبل وهذا ما أخشاه.