ذكر حلف الناتو أخيرا أنه رصد نشاطا مكثفا للطائرات الروسية فوق بحر البلطيق, وأنه حلف الأطلسي نشر خمسة أضعاف عدد الطائرات المعتادة خلال العام الجاري, واعترض الطائرات الروسية أكثر من400 مرة خلال نفس الفترة, ففيم يفكر بوتين؟ وما هي بواعث الخوف الغربية؟ تعاملت روسيا مع العقوبات التي فرضها الغرب عليها علي طريقة ادارتها للحروب التقليدية, حيث جذبت خصومها إلي ملعبها, وفي الوقت نفسه عقدت اتفاقيات مع الصين كي تضمن مستقبلها, ثم ابرمت اتفاقيات أخري مع تركيا, العضو في حلف الناتو, كي توفق اوضاعها وفق مصالحها. اتضحت معالم السياسة الروسية خلال انعقاد مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون, حيث كشفت موسكو عن رغبتها في تقديم هذا الحلف علي أنه المعادل لحلف الناتو, والشاهد هنا هو ترحيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانضمام اعضاء جدد للمنظمة, يتمتعون بثقل استراتيجي هائل اقليميا ودوليا, وهم الهندوباكستانوإيران. فقد فاجأ بوتين الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعدة خطوات دبلوماسية استباقية: حيث قام بزيارة تركيا, الدولة العضو في حلف الناتو, بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مباشرة, لعقد اتفاقيات اقتصادية معها. وعولت موسكو في تقاربها مع أنقرة علي الخلافات القائمة بين تركيا و بين الغرب, بسبب دعمها الجماعات الجهادية وبناء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكبر قصر رئاسي في العالم بلغت تكلفته(615) مليون دولار, كي يتمكن الرئيس الروسي في نهاية الزيارة من حمل انقرة علي شراء البترول الروسي بالروبل وليس بالدولار, وبذلك وظفت موسكو خلافات الخصوم لمصلحها. وكما وظفت موسكو الخلاف التركي الغربي لمصلحها, فإنها استغلت انخفاض سعر البترول الأمريكي واستعدت لكل السيناريوهات, حيث موسكو تدرك أن واشنطن لا تستطيع تحمل هذا الانخفاض أكثر من ستة أشهر, وأنها واشنطن لو فكرت في التدخل لرفع السعر, فإن ذلك سيضر بالاتحاد الاوروبي, مما يحدث شقاقا داخل حلف الناتو, وأنه في حالة التدخل الأمريكي فإن روسيا جاهزة لهذا السيناريو وأن لدينا احتياطيات كافية حسبما صرح الفيراس نابيولينا رئيس البنك المركزي الروسي أمام مجلس الدوما. وفيما يتعلق بالدول المرشحة للانضمام لمنظمة شنغهاي, فهي دول تحظي بثقل استراتيجي جيوبوليتكي هائل اقليميا ودوليا, وتأتي الهند في المقدمة وستكون أول المنضمين للمنظمة ثم تليها باكستان علي أن تلحق بهما إيران, مما يعد تحولا هائلا لدور المنظمة دوليا. وتعي روسيا جيدا وجود خلافات بين بعض الأعضاء الجدد والقدامي, مثل الصينوالهند من ناحية والهندوباكستان من ناحية أخري, ولذلك تعمل الدبلوماسية الروسية علي تسوية هذه النزاعات قبل انضمام الأعضاء الجدد حتي لا يخصم هؤلاء الأعضاء من رصيد المنظمة مما يؤدي إلي إضعافها, حسبما صرح يوري يشاكوف, مساعد الرئيس الروسي. ان هدف روسيا من هذه المنظمة هو تعزيز الدور الأمني الأقليمي للدول الأعضاء, ودعم التعاون الاقتصادي بينهم وترسيخ الروابط الثقافية والانسانية, وتقريب وجهات النظر بينهم فيما يتعلق بالنزاعات الاقليمية والدولية, ووضع خارطة طرق للمنظمة للفترة ما بين2015 و2025, وتأمل موسكو في تحقيق هذه الأهداف خلال استضافتها فاعاليات المؤتمر في الصيف القادم. وعندما يتسني لبوتين تحقيق هذه الأهداف, فإنه بذلك يقود أكبر حلف دولي مكون من أكبر أربع دول مأهولة بالسكان في العالم, وأن تعداد سكان جميع الدول الأعضاء آنذاك يبلغ40% من عدد سكان العالم, بالاضافة إلي وجود أكبر قوي اقتصادية وهي الصين, فضلا علي أن انضمام إيران سيجعل دول المنظمة تتحكم في نصف احتياطيات الغاز في العالم. وستصبح المنظمة آنذاك ليس فقط منافسة لحلف الناتو, ولكن ستتمكن من وضع نظام مالي ينافس صندوق النقد والبنك الدوليين, وأن بنك تنمية مجموعة بريكس, الذي تم إنشاؤه الصيف الماضي كان أولي الخطوات في هذا الطريق, كي تصبح واشنطن في نهاية الأمر مجرد دولة علي الخريطة.