ارتدي سياسيو الأحزاب ونواب مجلس العموم البريطاني جلودهم السميكة ليس للوقاية من برد الشتاء القارس, وإنما لتحمل انتقادات مؤلمة,كالرصاص أحيانا, من الناخبين. بعد140 يوما من الآن, أي في7 مايو المقبل, ستواجه أحزاب بريطانيا يوم الحساب العظيم.. الانتخابات البرلمانية التي تقول كل المؤشرات إنها لن تكون كسابقتها في العقود الأخيرة, علي الأقل. تجمع نتائج استطلاعات الرأي, وهي غالبا ما تتصف بالدقة, خلال الشهور الأخيرة علي أن أيا من الأحزاب الثلاثة الرئيسية لا يتمتع بتأييد شعبي يمكنه من الحصول علي عدد من مقاعد البرلمان المقبل يمنحه حق تشكيل الحكومة منفردا بعد الانتخابات. وتضع النتائج الأحزاب في الترتيب التالي: المحافظون( الشريك الأكبر في الحكومة الائتلافية الحالية)32 في المائة, العمال( زعيم المعارضة)32 في المائة, الديمقراطيون الليبراليون( الشريك الأصغر في الحكومة)7 في المائة. وبخلاف الجولات السابقة, دخل إلي الساحة منافس جديد مزعج, باعتراف المتنافسين التقليديين, هو حزب استقلال المملكة المتحدة يوكيب, الذي حقق انتصارات برلمانية, محلية وأوروبية, ملحوظة أخيرا. وتتوقع نتائج الاستطلاعات حصوله علي16 في المائة من الأصوات في الانتخابات المرتقبة. كان صعود يوكيب بزعامة نايجل فاراج, الذي يتعرض باستمرار لسهام جارحة بسبب أفكار حزبه المشككة في جدوي الاندماج في أوروبا والرضوخ لإملاءات الاتحاد الأوروبي بشأن فتح أبواب بريطانيا للمهاجرين الأوروبيين, جرس إنذار لزعماء الأحزاب الأخري. أعلنت حالة الاستنفار في مقار الأحزاب, فجاءت التعليمات واضحة: انزلوا إلي الشارع, اطرقوا أبواب الناس, اقنعوهم بأن حزبنا أفضل لحياتهم وبلدهم ومستقبل أولادهم, اجمعوا التبرعات لتمويل الحملة الانتخابية. استجاب نشطاء الأحزاب, كل في منطقته, واستحالت مقار الأحزاب الفرعية خلايا لتنسيق التحرك بين النواب الحاليين والمتوقعين وأعضاء المجالس المحلية. ويندر أن يتصل أي شخص بنائبه, سواء بمكتبه في البرلمان أو بمقره في الدائرة, دون أن يتلق ردا, هاتفقا أو مكتوبا بالبريد العادي أو الالكتروني. وإذا كان الزعماء يتولون, أمام كاميرات التلفزيون وعلي صفحات الصحف وموجات الإذاعة وفي المؤتمرات الكبري, مهمة شرح الاستراتيجية العامة لأحزابهم, مستعينين بخبراء في حملات الدعاية الانتخابية من أمريكا( كما فعل العمال), واستراليا( كما فعل المحافظون) فإن النواب, مدعومين بأعضاء المحليات, يتحملون المهمة الأهم والأصعب: الرد علي تساؤلات, ومواجهة غضب, الناخبين وجها لوجه لاقناعهم بالتصويت لهم. وأيا يكن الإنتماء الحزبي لطارق الباب, فإن عليه أن يحمل إجابة علي قائمة طويلة من الأسئلة منها: متي ستضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟ متي ستجبر الدولة رجال الأعمال والشركات متعددة الجنسيات علي دفع الضرائب المستحقة علي المليارات التي يجنونها سنويا؟ إلي متي سيظل ذوو الرواتب الثابتة ومنخفضو الدخل يسهمون بالنسبة الأكبر في دخل الدولة من الضرائب؟ ولماذا يجب علي المريض, الذي يدفع ضرائبه بالكامل, ألا يري طبيبا متخصصا سريعا دون انتظار لمدة ستة أشهر؟ ومتي وكيف ستتحسن خدمات أخري كالتعليم والمواصلات مقابل هذه الضرائب؟ لماذا يدفع المواطن البريطاني جنيها و30 بنسا للتر البنزين رغم انخفاض أسعار البترول في السوق العالمية بنسبة تصل إلي50 في المئة؟. متي يمكن للأسرة العادية أن تشتري منزلا ولا تقضي حياتها في مسكن مؤجر؟. كيف يمكن أن يفك الناس الحزام المشدود علي بطونهم وجيوبهم الذي يحرمهم من أن يستمتعوا, كغيرهم من الأوروبيين الآخرين, بالحياة باعتبارهم مواطني دولة تفخر بأنها من القوي الكبري التي تتمتع بسادس أكبر اقتصاد في العالم, والثالث في أوروبا؟.