لم يحالفنى الحظ لمشاهدة نجوم كرة القدم فى عصرها الذهبى لفارق السن والتوقيت، غير أن أول مباراة شاهدتها كانت بين فريقى الأهلى والزمالك موسم 70 17، والتى لم تستكمل لسوء حظى بعد تقدم الزمالك 2 1 فى مباراة الحارس مروان كنفانى الشهيرة، ومنذ ذلك التاريخ وأنا متابع نهم لمباريات الدورى والكأس والمنتخب والدورات الصيفية الرائعة التى خرجت ولم تعد، ومازلت حتى الآن أتذكر نجوما مهرة عزفوا بأقدامهم سيمفونيات خالدة، وقدموا لنا عروضا كروية ساحرة فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فقد كان للكرة مذاق خاص، أما كرة هذه الأيام فهى أقرب إلى الكر والفر إلا ما ندر، تبحث عن الهداف، وصاحب المهارات وصانع الألعاب، وبلدوزر المجهود السخي، و "الشويط"، والجناح الطائر، والمدافع الصلد، والحارس العملاق، فلا تجد فتترحم على أيام كوكبة من صانعى البهجة من طراز الشاذلى ومصطفى رياض وإبراهيم الخليلى وأبوالعز والسنارى وأنوس وسيد عبدالرازق وثابت البطل وإبراهيم عبدالصمد وهانى مصطفى وعلى خليل وعبدالعزيز عبد الشافى ومحمود الخطيب ومسعد نور وحمدى نوح ومدحت فقوسة وشحتة وبوبو والبابلى والجارم وعرابى والكاس والبورى ونبيل الدقاق وسعد سليط وثروت فرج والشال والبلعوطى وعماشة والسعيد عبدالجواد والسياجى وأسامة خليل ومصطفى عبده وحسن شحاتة وفاروق جعفر وطه بصرى ومحسن صالح وصفوت عبد الحليم، وشطة وطاهر الشيخ ومختار مختار ومحمود الخواجة وإبراهيم يوسف ومصطفى يونس وماهر همام ومحمود سعد ومحمد صلاح وغيرهم الكثير. إنها أيام تذكرنا بماض جميل عندما كانت تمارس كرة القدم كهواية، ولم يكن يشغل ذهن أحد من اللاعبين سوى تقديم المتعة للجماهير التى كانت تزحف إلى الملاعب ومدرجات الدرجة الثالثة "الترسو" وتدفع "50" قرشا ثمنا للتذكرة لمشاهدة مدارس الفنون الكروية، أو الجلوس أمام شاشة القناة الأولى لمتابعة أحداث "الماتش" بشغف، وعندما يقطع التليفزيون المباراة لإذاعة آذان صلاة العصر كنا نستشيط غيظا. أما اليوم فقد فقدت المعشوقة المستديرة متعتها وحلاوتها، وتحولت إلى بيزنس وتجارة كبيرة، لاعبون لا يطبقون من الاحتراف سوى بند الملايين التى يتقاضونها، وسماسرة ووكلاء "يحلون" البضاعة الراكدة فى أعين الأندية التى "تشرب المقلب" فيمن استقدمتهم من "رديف" الأندية، أو "الفالصو" الذين يلمعون مباراة أو يحرزون هدفا "ويجيبوا ورا"، وجماهير "الألتراس" التى صارت أغلبها عنوانا للابتزاز، وعلى كل شكل ولون متعصبون "تلاقي"، "مهيصاتية" فيه، "مهلباتية"، عينى عينك، مأجورون تحت الطلب، "قبيضة" منهم كتير، يعنى كل شيء بحسابه، وهناك من اللاعبين من يدفع لبعضهم ليكونوا "عكازه". يشجعونه على طول الخط، وإن كان جالسا على الخط فهم وسيلة ضغط لإجبار المدرب على إشراك "ولى النعم"، أما أبرز ما يحيرك فى أمر غالبية مشجعى هذه الأيام أنهم يشجعون بالمقلوب تماما مثل الحال التى أضحت عليها كرة القدم، حيث يعطى "الألتراساوي" ظهره للترعة أقصد الملعب وتسمع منه فواصل حنجورية خارج السياق وربما الآداب العامة. زمان كان لاعب الكرة مطيعا لمدربه وفيا لناديه يدفع من جيبه الخاص مصاريف انتقالاته، ولا يجنى عائدا من اللعبة، وإن حصل على بضعة جنيهات كمكافأة فوز يطير فرحا ويرقص "دوبل" للفوز وللجيب العمران، ناهيك عما يلاقيه من أسرته التى تقف له بالمرصاد حتى لا يمارس اللعبة، وفى هذا السياق أتذكر أن حسن الشاذلى كابتن فريق الشواكيش بعد اعتزاله سافر للتدريب بإحدى الدول العربية، وعندما علم بأن ناديه "الترسانة" يغرق فى الديون ويواجه شبح الهبوط حزم حقائبه وعاد إلى ميت عقبة وباع سيارته الجديدة لينفق على الفريق، ويرتدى فانلة ناديه من جديد حتى ينجو به إلى بر الأمان مع باقى أعضاء الفريق، أما الآن فماذا ننتظر من لاعب حقق النجومية، وعرف طعم الشهرة بين يوم وليلة، ويتقاضى فى الموسم الكروى الواحد ما لم ولن يتقضاه عالم أو أستاذ جامعى طيلة مشوار حياته الأكاديمي. الآن فقط عرفت لماذا أخلص لاعبو الأجيال السابقة للكرة، كما عرفت لماذا لا يبدع لاعبو الجيل الحالي، ولا يخلصون لأنديتهم أو فريقهم الوطنى رغم كل الظروف المهيأة لهم، والملايين التى تغدق عليهم، ومع ذلك لا تفوق ولا إنجاز، وأيقنت لماذا غابت عنا كأس إفريقيا للمرة الثالثة على التوالى