شهد المجلس الأعلي للثقافة الأسبوع الماضي, مناقشة مفتوحة في رواية السلفي للمؤلف والروائي د. عمار علي حسن, أدارها الناقد والمترجم ربيع مفتاح, وشارك فيها الناقد شعبان يوسف, و الدكتور سيد ضيف الله والروائية سلوي بكر. رواية السلفي تعتمد علي21 عتبة, يطوف خلالها الأب علي بيوت القرية, ليعرف ولده الضال علي نماذج للتدين البعيد عن المظهرية, التدين الذي يعرف صاحبه من عمله لا قوله فحسب.. فهناك الصوفي الأسمر دمث الخلق والعم القبطي وراعي الغنم والسيدة الوفية والحارس الأمين وصاحب المكتبة العامرة والشرطي الشريف.. بل والراقصة أيضا التي تعلم بذنبها وتهجره.. في حين يلتقي علي أعتاب البيوت بنماذج مقيتة من البشر لا يهمها سوي شهوة الفرج والبطن, وبعضهم يسير كالغنم في القطيع لا يدري إلا ما يقال له إنه الصحيح, ومن هذه النماذج خرج المتطرفون وأسموا أنفسهم شيوخا فيما بعد!. ولفت الناقد ربيع مفتاح, إلي أن عالمنا العربي شهد انفجارا روائيا وسرديا خاصة مع حصول محفوظ علي جائزة نوبل بالأدب عام1988, وهو فن أصله العرب. واعتبر أن رواية السلفي تقتحم عش الدبابير. واستطرد قائلا إن مصر أصابها داء الجماعات الإسلامية منذ سبعينيات القرن الماضي, وهؤلاء ترك لهم السادات الباب مواربا فكانت نهايته علي أيديهم, وهم معروفون بعدائهم للقضية الوطنية, ولدينا صور تجمع حسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين بالسفير البريطاني في القاهرة آنذاك وترتيبات جرت بينهما للحصول علي مساعدات للجماعة الوليدة, وكان القصر يستخدمهم كمعادل للوفد في الشارع. والرواية يظهر فيها أثر الفن في دحض الأفكار المتطرفة, فالأب يحدث ابنه المتخيل عن أماسي القرية, حيث تصدح الأناشيد والأنغام الشجية. وأشار ربيع مفتاح إلي أن الفكر الديني المنغلق لم يكن حكرا علي الثقافة الإسلامية, فقد منيت به الكنيسة المسيحية منذ العصور الوسطي فأعدمت العلماء وقادتهم للسجون أما الناقد د. سيد ضيف الله فتحدث عن فن المناظرة الذي تستدعيه الرواية, وهو ما يذكرنا بما قدمه أبو حيان التوحيدي في تذكرته وغيرها من المناظرات الشفهية الشهيرة. والرواية ليست ذات بناء تقليدي يقوم علي حبكة وصراع وأحداث, ولكنها تبدأ بتهيئة القاريء للنهايات القدرية المحتومة التي أخبرت بها الشيخة زينب المحامي المصري عن رحيل ابنه.. ولذلك فالرواية تعالج سؤال الكيفية وليس الماهية.. وينتصر عمار حسن للتدين الشعبي بعمله الأخير. والراوي لا يتحدث لابنه حقيقة, ولكنه يستدعيه روحانيا ووجدانيا, وكأنه قد أصيب بفصام حاد بعد أن علم بنبأ مقتل ولده الوحيد في الصحراء.. وهو استحضار لثقافة المصريين الشعبية مرة أخري, فنحن نأتي بالعروسة الورقية ونفقأ عينها بإبرة لتكون جزاء للحسود! وكأن الأب حين يحكي لابنه الغائب يكفر عن ذنب يشعر به بتجاهل ابنه في الماضي والانشغال بمرافعاته عن المثقفين والأدباء, والتي تظهر بالرواية, فقد كان الأب كاتبا أيضا وحاول تقنين الزواج المدني بمصر. وأهمية الرواية كما يشير ضيف الله تكمن في كشفها تناقض خطاب الأب نفسه وليس خطاب نجله المتشدد وحده. فلعلك تتساءل وأنت تقرأ الرواية من هو الحاكم الذي سيطبق شرع الله, هل هو الذي يخرج الإرهابيين من السجون والجحور أم من ؟! وأوضح أن الرواية تكشف سلطوية خطاب بعض النخب المعارضة, حين تشعر بأنها قد امتلكت الحقيقة المطلقة. ومن جانبها اعتبرت الروائية سلوي بكر أن التصدي لقضايا التطرف حسنة كبيرة تحسب للروائي, خاصة أننا وصلنا لمرحلة الاحتراب السياسي والمجتمعي, وهاجمت الخطاب الثقافي الحداثي السائد حاليا, واعتبرته خطرا لا يقل عن خطر الخطاب السلفي المنغلق, لأن أعمدة هذا التيار اقتبسوا من الغرب وأدواته وأجبرونا علي تقديس هذه المفاهيم, ولم يستلهموا من التراث المصري العريق. أما الكاتب عبدالمجيد المهيلمي فدعا لتدريس هذا العمل بالمدارس, واصفا إياه بالمنشور الأدبي الراقي, وأبدي الناقد حسين محمد إعجابه بوعي الرواية, مؤكدا أن مجتمعنا يقصر الخطيئة في البعد الجنسي, فنحن قد نتسامح مع الرئيس الكاذب ولا نتسامح معه إن قيل إنه ضبط متلبسا في وضع أخلاقي مخل!, فيما عبرت الكاتبة ابتهال سالم عن إعجابها بتأصيل الكاتب لفكرة التغريب السائدة في المجتمع, كما حذرت من غلبة فكر السمع والطاعة. أما الكاتب أسامة ريان فأشار لبراعة الكاتب في استدعاء أجواء صوفية بروايته, والتركيز علي التدين الشعبي الأصيل البعيد عن المظهريات الخادعة. أما الناقد شعبان يوسف, فدعا لعدم حصر تجربة د. عمار علي حسن في البحث السياسي, فقد كان سامي الدروبي سفيرا لبلاده, ونزار قباني, وأدونيس باحث مخضرم, ويوسف ادريس وغيرهم. وأبدي يوسف إعجابه بلغة الرواية التي تعتمد علي حكي البسطاء, واحتكاك الكاتب بالواقع بحدة شديدة, كما أبدي إعجابه ببنية الرواية وعمارتها المحكومة بإتقان, فالمرأة المهمشة زينب ستتحكم بالأحداث حتي نهايتها. في الختام قال د. عمار علي حسن: أتذكر مقولة الأديب العظيم ميلان كونديرا, والذي أدارت جريدة أخبار الأدب حوار معه مؤخرا, فقال أن أسوأ نقد لأي كاتب, هو سيرته الذاتية! ووصفه بالتأويل البيوجرافي الفاسد, وأوضح أنه بدأ أديبا وليس باحثا, فقد فازت قصصه وأشعاره منذ كان طالبا بجامعة القاهرة. وأضاف صاحب شجرة العابد بقوله: رواياتي الأولي جدران المدي وزهر الخريف وعرب العطيات وشجرة العابد, استخدمت فيها تقنية الحكي التقليدي المعتمد علي الفانتازيا أحيانا, وهذا البناء الخطي هدمته في روايتي سقوط الصمت والسلفي, والرواية دوما تستعصي علي وضع قوالب جامدة لكتابتها, هكذا أؤمن. ثم عرج عمار علي فكرة مزاوجة الأديب بين عمله وبين هوايته بالكتابة, وهل بذلك تناقض, فأجاب بأن طه حسين ظل يشكو من انتقاد الجميع له, فهناك جماعة تراه أزهريا وهناك من يراه ليبراليا ذا فكر أوروبي, وهناك من رآه صحفيا وهناك من رآه أديبا أو أستاذ للعربية. ظل عميد الأدب يكتب دون أن ينشغل بكل تلك التصنيفات. واعترف يوسف ادريس بأنه تمرد علي نصيحة طه حسين نفسه له بألا يتجه للأدب وأن يصرف اهتمامه للطب! فصار يوسف إدريس الذي غير مجري القصة القصيرة بمصر. واستشهد الروائي بالأديب الأمريكي الرائع سومرست موم الذي كان طبيبا, حتي كتب رسالة ذات يوم أدخلته لعالم الأدب! وختم بقوله: لا تحاسبوني اليوم علي ورعي في الحديث عن تجربتي الأدبية وعزلتي الاختيارية عن الجماعة الأدبية في مصر, في فترة من حياتي.