كان صوت المخرج يحرك كل شيء بداخلنا, كنا نجلس علي مقاعد المسرح المدرسي.. نعانق أحلامنا.. وننتظر تلك الكلمة التي يمكن أن تفتح لنا نوافذ الأمل نحو تحقيق الذات.. هي كلمة واحدة, ولكنها المفتاح السحري لكل صاحب موهبة يريد أن يثبت أقدامه علي خشبة المسرح ليعلن عن نفسه. بروفة.. تلك الكلمة السحرية التي يهتز لها كل شيء في جوانحنا, فقد كنا نري زملاءنا الذين سبقونا بالتمثيل علي خشبة المسرح المدرسي, وعشنا أياما طويلة نحلم أن نكون مثلهم, ربما لم نكن, في ذلك الوقت البعيد, علي دراية كاملة بأهمية المسرح, وما يمكن أن يقوم به من دور في النهوض بالحركة الفنية, علاوة علي أنه يعلي من قيمة الفن في بناء الشخصية, ويعزز الانتماء للوطن والحفاظ علي مكتسباته. مرت الأيام, ودارت عجلة الحياة, وكبرت بين جنبات المسرح المدرسي, حتي جاء اليوم الذي وضعت فيه اسمي كمخرج مسرحي في إطار مسابقات الفنون المسرحية, التي تنظمها وزارة التربية والتعليم, وكانت المسرحية بعنوان وطني حبيبي مقتبسة عن مسرحية كاسك يا وطن للكاتب السوري محمد الماغوط. اخترت فريق العمل من بين الطلاب, وكان أحدهم موهوبا للغاية, واستمرت البروفات, وقبيل موعد العرض, اختفي هذا الطالب الموهوب, لم يأت للمسرح, وعرفت أن والده يمنعه من المجئ خوفا علي مستقبله, بل كان والده يضربه بشده وبشكل غير آدمي, ساعتها شعرت بمسئوليتي نحو الطالب الموهوب, لم يكن همي إنقاذ العمل المسرحي, وإنما إنقاذ الطالب نفسه, فاتصلت بوالده تليفونيا, ونجحت في إقناعه بأن يسمح لابنه الموهوب بأن يرجع إلي المسرح. تم العرض في موعده, وحققت المسرحية نجاحا باهرا, وتلقينا التهاني, وإذا بأحد أفراد الجمهور يطلب مقابلتي, وجاءني يبكي, أخذني العجب والدهشة, فسألته عن سبب بكائه, وكانت المفاجأة, إنه والد الطالب الموهوب, وأخبرني عن سبب بكائه, قال: في الوقت الذي كنت أضرب فيه ابني وأهينه, وجدت من يهتم به, ويدفعه للنجاح, حتي وقف الناس له مصفقين إعجابا. وعلي خير نلتقي.