أزمة الحركات الإسلامية المصرية المستعصية من وجهة نظري أنها تبدأ من حيث بدأ الآخرون.. ولا تريد أن تبدأ من حيث انتهوا.. وتكرر التجارب الفاشلة بنفس الطريقة والنمط.. ولا تريد أن تستوعب التجارب التاريخية السابقة.. وبعض قادتها يكره قراءة التاريخ.. وإذا قرأه فهمه بطريقة خاطئة وأحادية ومتعسفة وورث هذه القراءة لأجيالها اللاحقة. وقد تفكرت في هذا الأمر طويلا وكثيرا ووجدت أننا لن نحيا حياتين أو نعيش أعمارنا مرتين.. عمر نجرب فيه ونخطأ.. وعمر نتعلم فيه من أخطائنا.. أو أن تعيش الحركة الإسلامية بنظرية التجربة والخطأ وهي أسوأ نظرية يمكن أن تعمل بها جماعة أو دولة؟. فما الحل في هذه المعضلة؟. الحل أن تستعير الحركة الإسلامية المعاصرة خبرات الآخرين ودروس حياتهم وأن تعيش مع دروس التاريخ كله قديمه وحديثه.. فمن عاش مع دروس التاريخ طال عمره وازدادت خبرته.. ومن لم ينتفع بخبرة سنوات التاريخ لم يستفد شيئا واضطر أن يعمل بخبرة يوم بيوم؟. وأين لنا العمر الطويل ؟.. وأين لنا الإمكانيات المادية والبشرية التي تهلك وتدمر مع كل تجربة فاشلة. إن مشكلة الحركة الإسلامية المعاصرة أنها لا تضيف أعمار المجربين إلي أعمارها.. وخبراتهم إلي خبراتها.. وتجربتهم إلي تجربتها. إنها دوما لا تكاد تلتفت إلي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وهو من أروع أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم التي تعني الاستفادة من كل التجارب السابقة حتي الفاشلة منها. ويمكن القياس علي هذا الحديث الرائع بالحكمة لا تلدغ من جحر لدغ منه أخوك.. أو القياس عليه ب لا تكرر أخطاء الآخرين ويقاس عليه أيضا ب أبدأ من حيث انتهي الآخرون. إن المتأمل لواقع الحركة الإسلامية المصرية المعاصرة يكاد يجد أن كل الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية المصرية عقب ثورة23 يوليو1952 هي نفس الأخطاء التي وقعت فيها عقب ثورة25 يناير..2011 مع اختلاف الأسماء والأشخاص والأماكن.. وذلك لأن الحركة الإسلامية لم تدرس تجربة الإسلاميين بعد ثورة يوليو لتستفيد منها بعد ثورة يناير. والمتأمل لواقع الحركة الإسلامية المصرية اليوم يجدها تريد أن تنزل إلي الشارع في ذكري فض رابعة وتصطدم بالجيش والشرطة.. أما التكفيريون فيجهزون لتفجيرات واغتيالات.. وقد ضبطت بعض مجموعاتهم وهي بصدد الإعداد لذلك وضبط معهم أسلحة ومتفجرات وخرائط.. والبعض الآخر يهيج الدنيا ويستحث الجميع علي تحويل هذا اليوم إلي صدام تاريخي جديد يسقط فيه المزيد من القتلي والجرحي ويدخل فيه العشرات مجددا إلي السجون دون أن يحقق هدفا أو يعيد إلي الإسلاميين سلطة غائبة مفقودة.. ويكرر تجارب مضت يوم6 أكتوبر من العام الماضي.. أو غيره من المناسبات الصدامية التي يريد البعض أن تظل مآسي مصرية دائمة ومتكررة. ولو أنهم قرأوا التاريخ لوجدوا ذلك فيه طبق الأصل ولعلموا أنه لم يحقق أي نتيجة.. فبعد مقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء.. إذا بالكثيرين من محبيه يريدون الثأر له ويرفعون شعارات يالثأرات الحسين ويسمون جيشهم بالتوابين.. أي الذين تابوا عن خذلان الحسين ويمرون في شوارع المدينة يستحثون الناس علي الثأر للحسين من الدولة الأموية حتي اجتمع لهم20 ألفا.. ودخلوا في قتال عنيف مع الدولة الأموية انتهي بهزيمتهم في معركة عين وردة وذلك في مقتلة عظيمة ذكرها المؤرخون بكل أسي.. إذ أن المقاتلين خاضوا في الدماء من غزارتها.. وقتل كل قادة جيش التوابين وعامة جيشهم. وبعد عدة سنوات تكرر هذا الأمر مع عبد الرحمن بن الأشعث الذي هزم مع جيشه وقتل يومها أكثر من سبعين ألفا.. كلهم مسلمون للأسف.. وكان معهم الكثير من الفقهاء والعلماء. وتكرر الأمر بعده مع محاولة أحفاد علي بن أبي طالب الثورة علي أبي جعفر المنصور فقتل وسجن وفني معظم أحفاد علي بن أبي طالب في هذا الصدام العبثي. لقد حاول الكثيرون الصدام مع الدولة الأموية القوية وصاحبة الجيوش القوية المتماسكة تحت شعار يالثأرات الحسين ولكنها لم تحقق ثأرا للحسين.. ولم تستطع نصرته.. أو زحزحة بني أمية عن الحكم أو حتي هزيمة الجيش الشامي القوي المتماسك.. لنحصد النتيجة المستمرة أن دماء كل هذه الجيوش وجهودها وأموالها ذهبت أدراج الرياح.. ناهيك عن تمزق الدولة الإسلامية وتشرذمها وانشغالها بنفسها عن خصومها الحقيقيين. إنها دروس التاريخ وعبره.. إننا لن نحيا حياتين أو نعيش أعمارنا مرتين.. فلا وقت لكثرة التجريب في شباب ودماء وأموال وأعراض المسلمين.. ولنذهب إلي البناء جميعا.. آملين في عدل السماء وميزان يوم القيامة الذي لا يظلم الناس شيئا.. وهو السلوي لمن لم ير العدل في الدنيا.. وعند الله تحتكم الخصوم.