إن دستور الأخلاق في الشريعة الإسلامية صادر من الله تعالي، لأنه العالم بكل شيء فيه الخير لعباده، قال الله تعالي: "بديع السماوات والأرض أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم. ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء وكيل" الأنعام:101، 102، وتأتي تبعية ذلك التبليغ والرسالة علي الرسول صلي الله عليه وسلم، لأنه هو الذي أرسله الله لهداية البشر، ونشر تعاليم الإسلام السمحة، فالبشر في كل زمان ومكان في حاجة ماسة إلي من يهديهم سواء السبيل باتباع دين التوحيد الحق، فالدين الإسلامي الحنيف توج به الله تعالي الأديان السابقة له، وختم به رسالته وأظهره علي الدين كله فقال تعالي: "هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله" الصف: 9 ويأتي دور علماء الإسلام في توجيه الناس وإرشادهم إلي اتباع الصراط المستقيم، وغرس مبادئ الإسلام وفضائله في نفوسهم، وترسيخ دعائمه في وجدانهم، ونوضح للعالم أن رسالة الإسلام وبعثة الرسول صلي الله عليه وسلم كانت لإتمام حسن الخلق، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "أنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" حديث مسند صحيح، ويدخل فيه الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل. قال العلماء: إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" النحل 90 حاجة المجتمع إلي الأخلاق: لا تستطيع المجتمعات البشرية أن تستغني عن الأخلاق مهما بلغت الحضارة والتقدم العلمي، ذلك لأن كل ما يصنعه الإنسان غير كامل وغير ثابت، وهو خاضع للتغيير والتبدل المستمر، ولاغني للإنسان عن إشباع حاجته إلي الإيمان بالله تعالي، فالإنسان إذا مر بساعات ضيق وحرج فإنه يلجأ إلي خالقه يسأله رفع الأذى والضر عنه، فبغير الدين والأخلاق لا تستقيم للإنسان حياته، ولا يهنأ باله، ولا تتوفر له أسباب السكينة والأمن النفسي، فيشعر بالضياع والتمزق والاضطراب العصبي والعقلي، ولايكون قادرا علي أن يعيش حياة سوية هادئة، وكثيرا ما يؤدي الإلحاد وسوء الأخلاق إلي الانتحار، وترك الدنيا التي يشعر ببؤسه وعذابه فيها، ولو كان مؤمنا صاحب أخلاق لكانت نظرته إلي الحياة نظرة التفاؤل والاستبشار، فيسعد لإفراج الحياة ويشكر الله تعالي علي حسنها، ويصبر علي همومها وأحزانها، فالإيمان والأخلاق منبعا السعادة الحقيقية والأمن النفسي فقال تعالي: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب". الرعد: 28 وتأتي أهمية الأخلاق الإسلامية في أنها منزلة من الوحي السماوي، والأمر الإلهي الذي يسمو فوق كل إلزام، ولن يشذ عن الالتزام بها سوي العقول الضالة والضمائر المنحرفة، وبذلك تتميز الأخلاق الإسلامية والنظرة الأخلاقية إلي الإنسان في الإسلام باعتبار أن الإنسان يولد ولديه القدرة والصلاحية علي فعل الخير والشر معا، وقد دعا القرآن الكريم إلي وجوب الإلزام الخلقي، قال تعالي: "فألهمها فجورها وتقواها" الشمس: 8 وبذلك يكون الإنسان قادراً علي أن يختار طريقه في الحياة بما أودع الله فيه من القوي والملكات التي ترشده وتهديه "وهديناه النجدين" البلد: 10 والإنسان ذو الفطرة الرشيدة أقرب إلي عمل الخير منه إلي عمل الشر، وذلك بما منحه الله تبارك وتعالي من الكرامة "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" الإسراء: 70 وكذلك يقول الله تعالي "لقد خلفنا الإنسان في أحسن تقويم" التين:4 فالتمييز بين الخير والشر وهو إلهام داخلي مركوز في النفس الإنسانية قبل أن يكون شرعة سماوية، والفضيلة إنما تتخذ مرقاتها من طبيعتها الخاصة ومن قيمتها الذاتية، وبأن العقل والوحي علي هذا ليس سوي ضوء هاد مزدوج لموضوع واحد، وترجمة مزدوجة لواقع واحد أصيل، فلا يستغني بأحدهما عن الآخر. ومن هنا نقول: إن الإلزام في الأخلاق الإسلامية يفترق عن الإلزام في المذاهب الأخلاقية، فهي لاتؤثر إلا علي جانب واحد من النفس وهو الجانب العقلي علي أن للأخلاق الإسلامية منهجها الذي يتوجه إلي النفس بأكملها، فهي تقدم إليه غذاء كاملا يستمد منه العقل والقلب كلاهما نصيبا متساوياً. وعلي ضوء ذلك فإننا نقرر أن الأخلاق الإسلامية تجمع بين إلزام العقل وإلزام القلب، وفوق ذلك إلزام السماء "الوحي" الذي يسمو فوق كل إلزام، مما يدفع الإنسان إلي السير عليها والالتزام بها عن رغبة ورضي.