تسابق الجمهورية الثالثة الزمن, بخطوات سريعة وواثقة, باتجاه انطلاقة اقتصادية كبري, تعوض خلالها ما تعرضت له خلال سنوات حكم مبارك الأخيرة, من نكبات اقتصادية وسياسية, وماتسببت فيها حالة الفوضي التي ضربت البلاد عقب ثورة25 يناير, وبلغت ذروتها مع وصول جماعة الإخوان إلي الحكم, وسعيها لتحقيق أجندتها الخاصة علي حساب الدولة المصرية, ومكانتها في محيطها الإقليمي والدولي. وتعكس الزيارات الأخيرة التي استقبلها القصر الرئاسي, لمسئولين بارزين من الشرق والغرب, ليس فحسب استعادة مصر مكانتها الإقليمية والدولية, وإنما الثقة في تماسك بنيان الدولة, وقدرتها علي التوازن في زمن قياسي, بعد نجاحها خلال فترة لم تزد علي عام واحد, في تنفيذ استحقاقات خريطة الطريق التي أعلن عنها في يوليو من العام الماضي, وإن ظلت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الصيني هي الأبرز, وربما الأكثر أهمية بين هذه الزيارات, خاصة أنها لم تتضمن فحسب بحث سبل تطوير العلاقات بين مصر والصين الشعبية, وإنما تضمنت أيضا دعوة رسمية للرئيس السيسي لزيارة بكين, وهي الزيارة التي من المقرر لها أن تتم خلال فترة قريبة, في عقب زيارة مقررة إلي العاصمة الروسية موسكو, تتضمن توقيع عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات بين البلدين, في إطار خطة مصرية تستهدف إعادة ترتيب الأولويات الخارجية, في إطار التوجهات العامة الجديدة للنظام السياسي الجديد. كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية, في عام1953 في عقب ثورة يوليو, التي أيدت بحماس حينذاك, حق الصين في استعادة مقعدها الشرعي في الأممالمتحدة, وهو مامنح الصين فرصة تاريخية للبدء في إقامة علاقات رسمية مع جميع البلدان العربية والإفريقية, فضلا عما لعبته القاهرة من دور في دعم علاقات الصين بمختلف الجمهوريات الوليدة في القارة الإفريقية, وعلي مدار عقود ظل النموذج الصيني في التنمية الاقتصادية, يمثل بالنسبة للدولة المصرية, نموذجا فريدا سعت إلي تطبيقه في مواجهة النموذج الأمريكي. وهو ما فرض علي مصر جملة من السياسات لم تتمكن من إنجازها, طوال فترة حكم مبارك, والتأسيس بشكل إيجابي لتعميق العلاقات التاريخية والإستراتيجية القائمة بالفعل بينها والصين, ورغم أن مبارك زار الصين تسع مرات, ثلاثا منها عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية, وست مرات خلال رئاسته للجمهورية. مع نهاية أغسطس من عام2012, زار الرئيس المعزول محمد مرسي الصين بصحبة مجموعة من الوزراء إلي جانب نحو ثمانين رجل أعمال, وقد شهدت تلك الزيارة توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك بين القاهرةوبكين في مختلف المجالات, ويمكن التأسيس لتطوير اكبر في العلاقات خاصة أن الجمهورية الجديدة التي تأسست عقب ثورة30 يونيو, باتت تنظر إلي تحقيق التوازن مع الشرق, بعد الانكفاء لعقود باتجاه الغرب, باعتبار دول هذه المنطقة وفي مقدمتها الصين, يمكن أن تكون شريكا حقيقيا في تحقيق نهضة اقتصادية كبري تحتاجها مصر اليوم أكثر من أي وقت مضي. لاتخفي الجمهورية الجديدة, اعتمادها بشكل كبير علي القاعدة التكنولوجية الصينية, في تنفيذ العديد من المشروعات الوطنية الكبري, التي يتم تدشينها خلال الفترة الحالية بطول يصل في حده الإجمالي إلي نحو140 كيلو مترا, وهو المشروع الذي بدأت القوات المسلحة في تنفيذ أعمال الحفر الإنشائية الأولي له, حيث توافق هذا المشروع العملاق مع مشروع طريق الحرير, الذي تخطط الصين لتنفيذه في المنطقة, ويتضمن إحياء طريق تجارة الحرير القيم, الذي كان يضم نحو40 دولة, بداية من الصين حتي فرنسا مرورا بمصر ودول المشرق العربي. في نظر كثيرين فإن منطقة التعاون الاقتصادي الصينية المصرية التي تم تدشينها أخيرا, بمنطقة خليج السويس, يمكن أن تشكل ليس فحسب جسرا جديدا للتعاون بين القاهرةوبكين, وإنما في الوقت ذاته أداة لتصحيح ماحصل من خلل في الميزان التجاري بين البلدين, إذ إنه رغم أن هذه المنطقة مازالت في بداياتها إلا أن حجم الاستثمارات فيها بلغ نحو510 مليارات دولار, فيما بلغ حجم الإنتاج السنوي لها نحو170 مليون دولار وهو ماأسهم في زيادة الصادرات بنحو37 مليون دولار, قابلة لأن تصل إلي الضعف في غضون فترة قليلة, إذا ماتمت إزالة العوائق أمام هذه المنطقة, وهو ماتعمل الحكومة الحالية علي انجازه, عبر شبكة الطريق الإقليمية الجديدة التي يجري العمل بها علي قدم وساق, وتم الانتهاء من جزء كبير منها أخيرا, حيث تؤهل هذه الشبكة من الطرق منطقة خليج السويس بل ومنطقة القناة كلها, بعد البدء في مشروع محور التنمية, لأن تكون منصة انطلاق لأي استثمارات تتم فيها نحو أوروبا وإفريقيا ومختلف الدول العربية. تعول مصر كثيرا علي علاقاتها مع الصين في تنفيذ حزمة من المشروعات المشتركة في العديد من المجالات, ربما كان من أهمها المشروعات المتعلقة بالبنية التحتية والكهرباء, وفي مجال البحوث الحقلية في الزراعة, فضلا عن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة, وهو مايمكن اعتباره بمثابة نقلة في مسار العلاقة الاقتصادية بين القاهرةوبكين, التي يأمل المرء أن تؤتي ثمارها قريبا, ليس فحسب عبر الاستفادة من تجاربها الناجحة في الصناعات التكميلية الصغيرة والمتوسطة, وإنما أيضا من خبرتها المبهرة, في مجالات أخري ربما يكون من أهمها تطوير العشوائيات ومكافحة الفقر, وهما التحدي الاجتماعي الأكبر الذي تواجهه الجمهورية الجديدة في مصر بعد30 يونيو.