معذرة عزيزي القارئ, لقد انقطعنا عن نون النسوة لأمور تعلقت بتغطية مهرجان إنطاليا السينمائي في دورته السابعة والاربعين تلك التغطية التي استحوذت علي هذا المكان خلال الاسبوعين الماضيين, وها نحن اليوم نعاود التواصل من جديد نستكمل, وفي نفس الوقت نختتم, ما سبق وبدأناه عن قضية هي الحاضر الغائب, القديمة والحديثة في آن, أنها المرأة المصرية في السينما وكيف رأيناها علي الشاشة في حقبتها الابيض والأسود وللانصاف لم تنفصل المعالجات السينمائية عن المألوف والسائد في رؤية المجتمع الذكوري لنون النسوة فهي إجمالا تابع تأتي في المرتبة الثانية, وفي أحيان أخري قد لا يكون لها وجود اللهم كونها تلد للرجل العزوة والأمتداد وويل لها لو أنجبت له الاناث فحتما ستصبح مطلقة وفي أحسن الظروف, وحينما كان هناك شطط أو تصور قد يفهم منه أنه مغاير عن المعيش سنجده سرعان ما يعود أدراجه يعيد التأكيد علي ثوابت التقاليد وقد تطرقنا لنماذج في مستهل طرحنا لتلك القضية. لكن الأمر لا يخلو من إستثناءات, وتلك بدورها انقسمت إلي تيارين لا ثالث لهما, الأول شاهدناها طاغية فائقة الانوثة تمارس جبروتا علي المحيطين بها لكن عدالة السماء ستلعنها وتجعلها تنال القصاص وهو ما تجسد في شفاعات الرهيبة بفيلم شباب امرأة المأخوذ عن قصة ل' أمين يوسف غراب' وأخرجه صلاح أبو سيف1915 1996 عام1956, أما التيار الثاني فكان بالفعل استنثاء تمثل في شريط أنا حرة والذي أنتج عام1959 والمأخوذ عن رواية ل' إحسان عبد القدوس1919 1990 وأخرجه أيضا صلاح أبو سيف لكن الملاحظة بالنسبة لهذا الفيلم أن ثورة بطلة النص سواء كان في صيغته الروائية أو السينمائية ستنتهي أيضا مع إختلاف التفاصيل إلي أن تصبح ظلا لا يرتق إلي كونها شريكا كاملا للرجل ولكنه مثل ومضة كانت مطلوبة وبشدة. ولكن بعد انا حرة بسنوات ستقدم السينما عملين طليعيين بكل ما تحمله الكلمة من معان والحق أن الاثنين كان نتاج مرحلة عولت إلي حد ما إلي أهمية أن تلعب المرأة المصرية الدور الذي تستحقه في المجتمع الذي لا يمكن له أن ينهض بدون التكاتف بين الرجال والنساء من هنا كان هناك تشجيع ودعم لسينما تعيد صياغة تقدمية تتناسب مع مصر الناهضة خصوصا قبل نكسة1967 والتي ستبدأ الحياة الفكرية بعدها بالتقهقر إلي مفاهيم الوهابية. وفي عام1966 يقدم فطين عبد الوهاب1910 1970 هذا المخرج العبقري الجميل رحمه الله عليه فيلما كوميديا آخاذا أنه مراتي مدير عام المعتمد علي قصة كتبها عبد الحميد جودة السحار1913 1974 وصاغها سينمائيا الراحل سعد الدين وهبة1925 1997 وشارك في تمثيله نخبة متميزة من النجوم, وفيه ووفقا لتلخيص الناقد محمود قاسم' يفاجأ حسين عمر( صلاح ذو الفقار) رئيس قسم المشروعات بنقل زوجته عصمت( شادية) لكي تصبح مديرا لشركة الإنشاءات التي يعمل بها,' أي أنها ستكون رئيسته في العمل, وهنا محور الفكرة ومغزاها بيد أن الرجل سيتجنب الكشف عن أن المديرة الجديدة هي حرمه, لا لسبب سوي أنه كيف يقبل أن يعمل في مكان لا تقوده المرأة فحسب بل ترأسه وتعطيه الاوامر, وإذا رضي هو نفسه بهذا الوضع' الغريب' كيف ستكون صورته أمام زملائه, الذين سينقدونه ويسخرون منه كونه اسير أوامر زوجته حتي وأن كانت بحكم عملها وطبيعة منصبها. المذهل أنه مع تشابك الاحداث وتعقدها رغم خلفيتها الكوميدية لم يشأ القائمون علي صناعة العمل أن ينهوه نهاية ساذجة لا تتفق مع طرح الشريط من أفكار هي بلا شك كانت جريئة ومتجاوزة الواقع, بل جعلوا الزوج هو الذي يقبل بإرادته الحرة أن تقوده زوجته في العمل ناهينا عن التفاصيل المهمة حواها الفيلم والتي نادرا ما نشاهدها في سينما اليوم وتتمثل في حوارات واحاديث الباشكاتب عبد القوي والذي أداه شفيق نور الدين, فالرجل مفترض أنه حنبلي متشدد إلا أنه وبعد أن تأكد من جدية السيدة المديرة وتفانيها في عملها يعيد النظر في قناعته دون خوف أو خجل في الإعتراف بخطأ ما كان يعتقده. ومر عام كامل وقبل النكسة المدوية باسابيع قليلة يعود فطين عبد الوهاب بفيلم آخر بنفس بطلي فيلمه السابق شادية وصلاح ذو الفقار ألا وهو' كرامة زوجتي' عن قصة لأحسان عبد القدوس وكتب له الحوار محمد مصطفي سامي أما السيناريو فقد وضعه أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ, في هذا الفيلم يدق القائمون عليه علي أوتار حساسة في نسيج المجتمع المصري, أن تصفع المرأة زوجها فهذا من الكبائر التي لا تغتفر, في حين لو حدث العكس فالأمر في بعض البيئات, خصوصا في الطبقات الدنيا, قد يكون مطلوبا تماشيا مع الثقافة السائدة والتي تذهب إلي ضرورة إصلاح إعوجاج المرأة' ناقصة العقل والدين' بين الحين والآخر, وإذا كانت ابنتك فيمكنك أن تكسر لها ضلع ولا تقلق سوف يطلع لها24 آخر أما إذا كان الصفع في فئات طبقية متوسطة أو شرائح اجتماعية مترفة فيمكن تداركه باعتذار وقبلة هنا أو هناك وربما بخاتم أو هدية, في السياق ذاته أن يخون الرجل زوجة فهذا شئ, حتي وأن كان خطأ إلا أنه يمكن تفهمه وعلي الزوجة أن تقبله وتغفر له الخطيئة, ولا تنس أنها السبب في دفعه إلي أحضان امرأة أخري, فلو كانت تعتني بنفسها, وتتزين وقد ارتدت زيا يكشف أكثر ما يخفي إنتظار لمجيئه لما زاغت عينه إلي خارج منزله إلي آخره من تلك الكليشهات الساذجة والسمجة والمحفوظة عن ظهر قلب. لكن أن تخون الزوجة زوجها هنا لابد من غسل العار ولا أحد يريد أن يطرح علي نفسه سؤالا مؤداه هو أن الرجل عندما يخون.. مع من سيخون؟ هنا تأتي أهمية كرامة زوجتي لقد اشترطت الزوجة وهي هنا ليلي( شادية) علي زوجها محمود صلاح ذو الفقار أنه إذا خانها ستخونه وقد قبل, ولكن وعندما وقع المحظور وبدأ هو الخيانة لم يتخيل للحظة أن تخونه زوجته التي بدأت توحي بأنها تخونه مما يجعله يعيش في عذاب وألم وعندما يزيد الشك يطلقها وهذا الأخير سلوك عصري متحضر فغيره كان يمكنه أن يقتل دفاعا عن شرفه وسط مباركة مجتمعه..