دعونا نسأل اصحاب العيون الجريئة والبريئة التي تسكب الدموع وتطلق الآهات علي مؤامرة تتوهمها لخنق حرية الرأي والتعبير, اليست الدولة وتحديدا في عصر مبارك هي التي هيأت اجواء تلك الحرية دون تدخل من أحد في الداخل او الخارج, وأيضا نسأل بكل الحياد والجدية.. لو وقف احدهم خارج البيت الأبيض واطلق شعارات مؤيدة لتنظيم القاعدة واسامة بن لادن, هل ستتركه أكبر دولة ديمقراطية في العالم والتي لايمكن المزايدة عليها. أبدا.. لن تتركه وقد قرأنا وسمعنا عن تنحية استاد جامعي لأن طلابه استشعروا تعاطفه مع التيارات المتشددة في احدي الجامعات الامريكية.. وهناك الكثير والكثير من الأمثلة علي أن هذه الدول لاتتسامح اطلاقا في العبث بأمنها او ترديد شعارات يقصد منها زعزعة استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. الحرية عندهم مسئولية كبري يدركون ابعادها ومخاطرها ولايترددون لحظة واحدة عن محاسبة من يتجاوز خطوطها الحمراء المتمثلة في محاولة هدم المجتمع بكل ما فيه.. واثبات ما نقول سهل وبسيط بصرف النظر عن انباء محاسبة من يشتبه في تعاطفهم مع الارهاب ابحث بنفسك في فضائيات الدنيا بكاملها, ابتداء من الامريكية الي الاوروبية والآسيوية والافريقية, بل والعربية ايضا, لن تجد مثيلا لما يحدث علي ارض مصر بالصوت والصورة. والمدهش والعجيب والغريب اننا تعاملنا مع هذا الكم الهائل من القنوات طوال الفترة الماضية وقد ارتضينا بهذا الصراخ والعويل والهتاف والتخوين والتهويل والتهديد, وكنا نسمع ونري صامتين صاغرين وكل هذه الوجوه تدخل الي بيوتنا وغرف نومنا لتضع اللمسة الاخيرة السوداء علي حياتنا. حتي الدول الأكثر تشددا فيما يتعلق بالنواحي الدينية تحركت ورفضت الاستمرار واجبرت علماءها علي الامتثال وعدم الفتوي الا لمن اجيز له ذلك من الهيئات المكلفة والمعلنة, اما نحن فيكفي ان يدخل احدهم الي الاستديو حتي يخرج ما في جوفه كما يشاء وبالطريقة التي تروقه مهما تكن عنيفة وصادمة وقد تدفع الآخرين اما الي التشدد واما الي حالة من عدم الفهم الصحيح وهو اضعف الحالات. لم يتركوا أمرا واحدا بدون محاولة العبث والاثارة والبحث عن الشهرة بمخالفة الرأي واثبات المهارة اللفظية وصولا الي النجومية. وامتد التطاول الي كل الرموز الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. المهمة الأولي للمذيع اللامع التي تنشر صورته بحجم صفحة كاملة في الصحف, وللضيف المعروف عنه سلاطة اللسان, المهمة ان يعزف بالكلمات ما شاء له من الوقت في قضايا جدلية هامشية يكسبها اللون والطعم والرائحة التي يريدها, وكلما اشتدت الصدمات كان النجاح حليفا علي انقاض جثث المشاهدين.. وسط هذا السباق المحموم وقعت الواقعة, وتحولت الاثارة الي نيران حقيقية تكاد تحرق الوطن وتهدم بنيانه القائم منذ آلاف السنين, والسبب كلمات تلقي بحسن نية او سوئها, ويلتقطها من يغذيها بوقود الفتنة فتزداد اشتعالا, مما استدعي اقتراب الايدي الي عش الدبابير الذي لم يعد واحدا او اثنين, وانما استفحل وانتشر وتوالد الي درجة لانري لها مثيلا في المجتمعات الاخري وفي التي اخترعت الاعلام أصلا.. والأمر المؤكد ان الساحة المصرية قد تحولت الي السوق الاعلامية الرئيسية والمركزية في المنطقة بأسرها, وان هذه السوق توفر استثمارات مربحة تتجاوز المفهوم الاقتصادي وتصل الي التدريب علي الحرية من خلال القضايا المصرية حتي بالنسبة للاشقاء العرب.. وقد اصبح محتما تقنين اوضاع شركات توظيف الاعلام, لاسباب حيوية ومهمة نذكر منها: أولا: ان الاعلام مهنة بالغة الخطورة والتأثير في حياة الافراد والمجتمع, ولكل مهنة قواعدها واصولها التي تحدد الممارسين لها وايضا وعلي نفس القدر وجود مواصفات جودة للمنتج الاعلامي حتي لايكون مشوشا ومغرضا ولتصفية حسابات لاشأن للمجتمع بها, وتكفي نظرة سريعة علي مئات القنوات الفضائية للتأكد من عدم توفر هذين الشرطين, سواء فيمن يمارس او في سلامة المنتج وقابليته للاستخدام البشري. ثانيا: ان امتلاك المال وحده ليس كافيا ابدا لممارسة الاعلام وبث رسائل علي الهواء الي البيوت والمدارس والشوارع والنوادي واماكن العمل, والا فمن حق كل صاحب مال ان يمارس الطب والهندسة والصيدلة وغيرها من المهن التي تشترط وجود شهادات ومهارات ومرجعية للمحاسبة عند الخطأ. ثالثا: ان اسلوب المراجعة عند ارتكاب الخطأ لم يكن واضحا تماما, وقد نفهم ان كل الصحف تابعة للمجلس الاعلي للصحافة, وهناك نقابة للصحفيين تقوم علي متابعة الاداء وتصحيح الخروج عن ميثاق الشرف, ولكن ماذا عن تلك الفضائيات ومن المسئول عنها فيما تقوله وتذيعه ليل نهار, ولايمكن الأخذ بهيئة الاستثمار كمرجعية لمناقشة مضمون الرسالة الاعلامية وانما يجب وجود هيئة وجهة تملك المحاسبة لضمان جودة المنتج الاعلامي من حيث الدقة والامانة والحيادية وعرض وجهات النظر وعدم افتعال الاثارة في القضايا التي تهدد امن المجتمع واستقراره.. رابعا: ان اتساع السوق الاعلامية علي النحو الحالي يعزز من مطالب التقنين حتي لاتتكرر ظاهرة شركات توظيف الاموال التي ذهب ضحيتها الآلاف من المودعين ومن العاملين فيها, ولعلنا لانبالغ في القول ان شركات توظيف الاعلام هي اخطر تأثيرا من توظيف الاموال, كما ان سرعة التقنين تحافظ علي الجادين فقط, اما الذين ارادوا السوء من هذه السوق فعليهم المغادرة او توفيق اوضاعهم, وفي كل الاحوال فان الحسم والجراحة قد تكون الحل الوحيد لضمان سلامة بقية الجسد. اليس كذلك؟