نحن نتشدق دائما بالماضي ونقول عنه زمن الفن الجميل وليس الماضي أفضل أو أحسن من الحاضر في كل شيء ونحن الذين تجاوز عمرهم السبعين أو الثمانين نشعر بالفرق في كل الفنون وما يخصني وأهتم به هو فن الموسيقا والغناء من حيث الكلمة واللحن والاداء. وكانت وسائل الاتصال بالجمهور ضعيفة وكان أهمها الاذاعة وقبل الاذاعة الاسطوانات( الجرامفون) وقبل الاذاعة والاسطوانات الحفلات المسرحية والمقاهي والأفراح كانت هذه الأماكن التي يمارس فيها عمله الفني وكلها كانت أماكن محدودة العدد. وكان هناك مجتمع يعيش في ظل احتلال أجنبي( انجليزي) وكانت أهم مطالب الشعب هي التخلص من هذا الاحتلال وكانت الأغنية احدي أسلحة المقاومة وظهرت أغاني كثيرة بأقلام شعراء عظام مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ ابراهيم( أخي جاوز الظالمون المدي) غناء محمد عبد الوهاب وأغنية( وقف الخلق ينظرون جميعا) غناء أم كلثوم وكانت الاذاعة ضعيفة بحيث أنها كانت لا تصل بسهولة إلي مدن الصعيد وكان تعداد سكان مصر لا يتجاوز قبل عام1952 الثمانية عشر مليون مصري وكل الفنون قبل سنة1952 كانت محدودة وعالية التقنية فمثلا الفن التشكيلي نراه في تمثال نهضة مصر وابراهيم باشا وتمثال سعد زغلول والشعراء العظام أصحاب الكلمات الراقية أمثال شوقي وحافظ ابراهيم وعلي الجارم وفي الزجل أمير الزجالين بيرم التونسي وكان هؤلاء حيز انتشارهم ضيق بما هو حاليا ومع ذلك حققوا شهرة عربية ومكانة فنية رفيعة المستوي في كل البلاد العربية هذا الجزء من الزمان يطلق عليه زمن الفن الجميل وبعد سنة1952 تحركت الأمور بسرعة وتغير نظام الحكم من النظام الملكي إلي النظام الجمهوري وظهر سلاح الغناء الوطني بقيادة صلاح جاهين وكمال الطويل وعبد الحليم حافظ وتحقق الجلاء وخرج الاستعمار من مصر وأممنا قنال السويس وشرعنا في بناء السد العالي ولمع في هذه الفترة كامل الشناوي ومأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وأحمد شفيق كامل وعبد الوهاب محمد وبليغ حمدي ومحمد الموجي كل هذا في وجود محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم وكانت هذه الفترة هي فترة الفن العظيم وحتي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي مع انتشار التليفزيون والفضائيات والأجهزة الحديثة وزيادة عدد السكان بشكل كبير وسريع تم فرض أسلوب جديد في الكلمة واللحن والآداء لخدمة الصورة التليفزيونة علي حساب الكلمة والآداء وأصبح فن الغناء فنا سطحيا لا يعيش في أعماق الجمهور كما كانت تعيش الأغاني السابقة وأكبر دليل علي ذلك هو الأغاني التي سمعناها في انتصار فريقنا الوطني وحصوله علي كأس افريقيا للمرة الثالثة علي التوالي سمعنا أغاني كثيرة ولكن أغنية واحدة من زمن الفن الجميل كانت كلما تذاع تأكل وتبتلع كل الأغاني السطحية وهي أغنية يا حبيبتي يا مصر غناء العظيمة شادية ولحن موسيقار مصر بليغ حمدي وهذه الأغاني سطحية وسريعة الزوال سمة من سمات عصر وأتمني أن يبدأ العلاج والتغيير الثقافي الذي تم اختراقه من جهات عديدة وهنا يسكت القلم لأنه سيتحول إلي كلام في السياسة وأنا مزيكاتي وأحمل هموما سياسية لها مكان آخر وأرجو أن يتسع لها هذا المكان ويا حبيبتي يا مصر.
والله ولي التوفيق كانت أهم مطالب الشعب هي التخلص من هذا الاحتلال وكانت الأغنية احدي أسلحة المقاومة. أغنية واحدة من زمن الفن الجميل كانت كلما تذاع تأكل وتبتلع كل الأغاني السطحية وهي أغنية يا حبيبتي يا مصر غناء العظيمة شادية.