لم يكن مشهد لوحة الإعلانات الضخمة التي سقطت أعلي أتوبيس متوقف بالقرب من ميدان عبد المنعم رياض, من المشاهد المألوفة في القاهرة, فقد كانت العاصفة الترابية التي هبت فجأة علي العاصمة والوجه البحري, قوية بدرجة استثنائية, بما أدي إلي بعض المشاهد التي لم نألفها فيما يتعلق, باقتلاع الأشجار, أو تعطيل المرور, وبعض الإصابات, وإغلاق الموانئ الرئيسية شمال الجمهورية, بفعل الرياح الشديدة, واحتمالات ارتطام السفن, إضافة إلي غزو الأتربة للمنازل, التي قد يوجد بها أطفال لديهم حساسية. المشكلة هذه المرة, هي أننا لم نتلق إنذارا باحتمال هبوب مثل تلك العاصفة, فليست لدينا أصلا نشرة جوية حقيقية, ومايحدث هو تكرار' مبتسم' لعبارات محفوظة وأرقام وخرائط ورسومات, لاتكاد تعني شيئا, فجو اليوم مثل جو الأمس, ولابأس من ذلك, لكن هذا يعني أيضا أنه إذا توقعت هيئة الأرصاد أن شيئا استثنائيا سوف يحدث, فإنه كان عليها أن تخرجه علي الفور من نطاق النشرة الجوية, وأن تصدر بيانا, أو تقدم صيغة خبر قوي, مع الشرح من جانب خبراء له, لكي يقرر الناس مسبقا ماذا سيفعلون, أو لكي لايصابوا بقلق زائد, علي أبنائهم علي الأقل, كما جري أول أمس. إننا لسنا معتادين علي تلك العواصف, فما لدينا عادة هو حر وبرد, وبعض' الزعابيب' في الربع الأول من العام, دون أن ننسي السيول التي تفاجئ المناطق الجبلية في الصعيد وسيناء, وأحيانا تخطئ العواصف الرعدية القوية مساراتها لتصل إلينا, وبالتالي فإن المناخ مفهوم إلي درجة أنه عندما فاجأت' عاصفة ترابية سوداء' استثنائية مصر ذات مرة منذ وقت طويل, وأظلمت الدنيا فجأة, تذكر البعض بسرعة يوم القيامة, رغم أنه بمقارنتها, بما يجري في منطقة الكاريبي, حيث تقتلع المنازل, وفلوريدا مثلا, تبدو كنسمة صيف. إن عدم الاعتياد والمفاجأة, وعدم وجود تقييم محدد لدي الناس للعاصفة, فيما يتعلق بمدي قوتها, أو مناطق تركزها, أو مداها الزمني, يؤديان بسرعة إلي إثارة القلق, والارتباك في التعامل مع الروتين اليومي, خاصة التنقلات من مكان إلي آخر, والسفر علي الطرق السريعة, وهذا ماجري, لذا يجب أن تعتقد هيئة الأرصاد أنها تقوم بمهمة شديدة الأهمية من وقت لآخر, وأن يعتقد من يتعاملون مع أخبار الجو إعلاميا, أن الخبر قد يكون' احتمالات هبوب عاصفة', وليس أن عاصفة قد هبت, وانعدمت الرؤية خلالها. فقط كنا نريد إنذارا.