بعد الحرب العالمية الثانية وجدت الولاياتالمتحدة فجأة أنها لم تعد الوحيدة التي تملك سر الانفجارات الذرية فانطلقت تنشئ القواعد في جميع أرجاء العالم بدعوي اختلال ميزان القوي الذي لا يعني في عرف الولاياتالمتحدةالأمريكية سوي احتفاظها بالتفوق علي جميع الامم مجتمعة, وهي السياسة التي تريد تطبيقها علي إسرائيل لتحتفظ لها بالتفوق علي جميع البلاد العربية بدعوي توازن القوي. لقد اقامت الولاياتالمتحدة عددا كبيرا من القواعد الذرية حول العالم, وبدأ ذلك علي مستوي عالمي عام1960, ولقد بلغ العالم حافة الهاوية وكاد يحترق في نوفمبر1960 عندما انعكس ظل القمر علي شاشات الرادار الأمريكية فخيل للأمريكيين أن الروس قد شنوا عليهم هجوما بالصواريخ عابرة القارات فهموا بإطلاق الصواريخ علي روسيا, لولا ان تم اكتشاف الخطأ في اللحظة الاخيرة, ولنا ان نتصور ما كان سيصبح عليه مصير العالم, وقد تعلق بخيط رفيع علي حافة الهاوية. إلي جانب هذا الإرهاب النووي نري ما تمد به الولاياتالمتحدة إسرائيل من أسلحة وعون تكنولوجي لمحاربة الدول العربية. وعلي الرغم من إساءة استخدام العلوم والتكنولوجيا في وسائل الدمار علي هذا الوجه الشائن نري في الوقت نفسه مدي ما اسهمت به هذه العلوم في أوجه التقدم كأبحاث الفضاء التي بهرت العالم أجمع, لا سيما بعد أن وطأت قدما الإنسان تربة القمر بعد جهود مضنية استغرقت الكثير من الجهد والمال والتضحيات. إن المتفائلين من الناس يرجون أن تعود هذه الإنجازات بالخير علي البشرية, فالمزايا التكنولوجية التي عادت علي العالم من أبحاث الفضاء, قد أخذت تثمر بأكثر مما كان يتوقعه أكثر الناس تفاؤلا, حين انعكس أثر ذلك علي العلوم والصناعات بفيض متدفق من المعلومات الجديدة. إن أبحاث الفضاء لتبشر بآفاق جديدة نحو علوم أفضل, واتصالات أسرع, وسعادة أكبر وإنتاج متزايد, واستغلال أوسع لمصادر الثروة العالمية, لو أن محتكري السياسة وتجار الحروب بادروا بالانتفاع بها علي الوجه الصحيح لا عن طريق الحروب والدمار. وإلي جانب المزايا المادية يبدو أن أي فائدة تعود علي البشر من خلال عمليات ارتياد الفضاء سوف تأتي من خلال تقييم الإنسان لذاته وللكوكب الذي نعيش عليه في ضوء الدراسة والتأمل ففي غمرة الأحداث الدامية التي تغمر العالم بزعامة تجار الحروب ودعاة الاستعمار نسمع صوتا إنسانيا خافتا ينبعث من افواه رواد الفضاء الأمريكيين نشفق عليه ان يضيع بين انفجارات القنابل في فيتنام وقذائف طائرات الفانتوم وسكاي هوك. فرواد الفضاء الذين عادوا إلي الأرض من رحلاتهم السحيقة في الفضاء وعلي سطح القمر يقولون إنهم فوجئوا بانطباعات إنسانية غريبة حيث القوا بنظرة إلي كوكبنا الأرض وقد خلفوه وراءهم لمئات الآلاف من الاميال. إن هذه النظرة الجديدة والانطباعات الإنسانية قد تكون أعمق تعبيرا من نظرة الإنسان لأخيه وللبيئة التي خلقه الله فيها. لقد انبهر رواد الفضاء بالسرعة التي خلفوا بها الأرض من ورائهم وهي تغوص في اعماق الفضاء طارحين وراءهم مشاكل البشرية وآلامها وهم ينطلقون إلي عالم جديد, فلم يعودوا يرون من عالمنا هذا إلا اشباح القارات بالوانها الخضراء والصفراء ثم المحيطات بزرقتها, وما يتناثر حولها من أطياف السحب تذروها الرياح لقد بهرهم كذلك ضآلة حجم كوكبنا الأرضي وقد أخذ حجمه يذوي إلي كرة صغيرة تكاد تضل طريقها في مجال الفضاء اللانهائي فيرتد عنها البصر وهو حسير, ثم يعودون بذاكرتهم إلي ما تفيض به الأرض من خيرات إذا ما نزل عليها الماء فاهتزت وربت من طيبات لا أثر لها في ذلك الخواء القاتل حتي تنعدم اسباب الحياة ويري الإنسان نفسه اقرب ما يكون إلي العدم. بهذه النظرة العميقة من خلال رحلات الفضاء نري حقيقة الرحلة التي نقوم بها نحن البشر في هذا الكون متعلقين بأهداب هذه المركبة التي نطلق عليها اسم الأرض مستظلين بطبقة رقيقة من الهواء تقينا سعير الشمس نهارا, وزمهرير البرد ليلا, وتدفع عنا خطر الشهب والنيازك المتساقطة. فهل يتاح لساسة العالم وتجار الحروب ان يقوموا بمثل هذه الرحلة بأنفسهم ليستشعروا مثل هذه الانطباعات الإنسانية؟ لعلهم إن فعلوا ذلك لتحولوا باهتمامهم نحو إسعاد البشرية والإبقاء علي حياة سكان هذا الكوكب بدلا من ازكاء نار الحروب التي لن تبقي ولن تذر.