الأهرام المسائي تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع, دعوة منها إلي وسطية دينية إسلامية ومسيحية, ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية. طالب عبد الغفار شكر باهتمام الفكر الديني المصري بقيم العدل حتي يستطيع تجديد نفسه بدلا من استغراقه في الشكليات ومظاهر الدين, وان يحصل الشبا ب وهم القوة المؤثرة في المجتمع علي مزيد من الاهتمام. وشدد علي ضرورة اهتمام وسائل الاعلام المختلفة خاصة الفضائيات بنقل الجهود الفكرية التي تقوم بها المؤسسات التنويرية وألا تترك الساحة خالية للعب بعقول الناس. وقال إن تداخل الدين بالسياسة سبب مزيدا من العزلة والابتعاد عن المشاركة والاتجاه إلي ظواهر الدين. واضاف أن أهم أسباب أزمة الفكر الديني المصري ابتعاد التيارين الليبرالي واليساري والتنظيمات المعبرة عنهما, عن مواجهة الخطابات المتشددة واشار إلي ان حرب الفتاوي سببها محاولات الفضائيات الترويج لنفسها وجذب مزيد من المشاهدبن خاصة في الفتاوي الغريبة وفيما يلي نص الحوار: * هل يمر الفكر الديني المصري بأزمة ؟ ** طبعا, فهو يهتم بالشكليات والظواهر, ويستغرق في الغيبيات علي حساب جوهر الدين, كما ان هناك كتيبة من المكفرين يتربصون بالباحثين والمفكرين الذين يخرجون عن سياقهم, وهذا ما حدث مع الدكتور الراحل نصر حامد ابو زيد الذي تم تكفيره والتفريق بينه وبين زوجته. هل تعني بكتيبة ان هناك منظومة تجهض أي محاولة للتجديد ؟ ** بدون شك, فهناك جبهة علماء الأزهر, والشيوخ المتربصون, والاثنان من مستسهلي التكفير والمهتمين بالعبادات ولا ينظرون إلي المعاملات, ولم يخرج علينا رجل دين ليطرح قيمة العدالة وأهميتها في المجتمع, لم يطرح أي منهم قيمة وأهمية التكافل الاجتماعي والمساواة بين الناس, وقيمة الإنسان لذاته, كل هذه القيم غير مطروحة ولا يتحدث عنها أحد. * كيف يمكن أن نتغلب علي هذه الأزمة لنبدأ في تجديد الفكر الديني ؟ ** نبدأ أولا بالاهتمام بالشباب لأنهم القوة الأكثر تأثيرا في المجتمع, كما أنهم القوة الأكثر استجابة للخطاب الديني المتشدد, بالإضافة إلي طرح أهمية العدل في منظومة الدين, فجزء كبير من أزمة الفكر الديني يعود إلي الأزمة الاجتماعية وصعوبة الأحوال المعيشية, وعدم وجود تصور للمستقبل, يصاحب كل ذلك إحساس بالعجز عن تجاوز صعوبات الحياة, فيلجأ الناس للدين كنوع من الهروب, ونسب فقر وصعوبة في تعليم متميز, مع درجة عالية من الذكاء, و استعداد لبذل مجهود, وإن وجدوا كل ذلك يجدون صعوبة في الحصول علي فرصة عمل متميزة أو مقبولة في كثير من الأحيان, فماذا تنتظر من هؤلاء إلا الهروب إلي الله, فيأتي الاستغراق في العبادات والاستقواء بالجماعات الدينية التي توفر لهؤلاء الشباب إمكانات مادية من أجل نشر فكرهم داخل المجتمع. * لكن يعفي مما تطرحه دور الحركات والأحزاب السياسية ؟ ** هذا صحيح, لكن للأسف التيارات الليبرالية واليسارية والتنظيمات المعبرة عنها لا تلعب دورا كافيا ولا تقوم بمهمتها في مواجهة ظواهر التغلغل الديني المتشدد, ولا تنشط بالقدر الكافي للتواصل مع المجتمع لأنهم تخلوا عن الدور الفكري والتربوي الذي كانوا يقومون به فكريا وتربويا, وركزوا علي العمل السياسي المباشر قصير المدي, وجعلت اهتمامها فقط علي مواجهة الحكومة, وتركت دورها في المجتمع بشأن بث القيم الثقافية والتنويرية التي تنعكس علي السلوك العام ولو أنها لم تتخل عن دورها لأصبحت حائط حماية من التشدد الديني. * هل تعتقد أن الاهتمام بالشباب وقيام التيارات السياسية بدور تنويري في المجتمع كاف لتجديد الخطاب الديني ؟ ** ليست كافيا لكنه مهم ومؤثر, أضف إلي ذلك ضرورة أن تقوم وسائل الإعلام بنقل ومناقشة الجهود الفكرية التي تقوم بها المؤسسات الثقافية و الدراسات التي يعمل عليها باحثون ومفكرون إلي المجتمع, وتدفع بها إلي دوائر أوسع, فضلا عن قيام بعض الفضائيات بالترويج للفكر السلفي لدرجة أن بعضها مثل قناتي الرحمة والناس, تخصص في الترويج لهذا الفكر ولا يقتصر الأمر علي ذلك فقط, لكنك تجد إعلام الدولة ممثلا في الإذاعة والتليفزيون يقدم عددا من البرامج الدينية التي تسهم في نشر الخطاب السلفي الذي تستخدمه بعض أجنحة الدولة في المزايدة علي بعض التيارات الدينية. ما أعنيه أنه علي الحكومة أن تستخدم منابرها لمواجهة الفكر المشتدد من خلال الهيئات مثل الثقافة الجماهيرية, والهيئات والمراكز الثقافية والعلمية, والأ تترك الساحة خالية للفضائيات التي تنشر تلك الأفكار في المجتمع. * وماذا عن الأزهر؟ ** مؤسسة الأزهر رغم أنها أهم مؤسسة دينية فإن دورها غائب, وتنطلق من نفس منطلقات الفكر السلفي حتي لو ظهرت بخلاف ذلك, والدليل ما يسمي بجبهة علماء الأزهر, وهي تحتاج إلي فكر ديني مستنير يتيح حرية التفكير عند الناس * لكن الأزهر يمثل التيار الديني المستنير؟ **الأزهر ينتج نوعين من رجال الدين, نوع مثل الذين يديرون ما يسمي ب جبهة علماء الأزهر وهذا نري أحكامه, ومجادلاته ومصادرته للأفكار والابداع وتكفيره لعدد من الأبحاث, والنوع الآخر موظف حكومي يؤثر السلامة ويبتعد عن مناطق الخطر, ويروج لأفكار تقليدية موروثة من الماضي, ولا يواجه الأفكار المتشددة بحسم, بل أحيانا يقوم بترويجها بحكم مرجعية افكارهم التقليدية, وهؤلاء كثيرون, ولذلك وجد السلفيون والمتأثرون والمقتنعون بالفكر الوهابي, وهؤلاء من يتولون الخطب والامامة في المساجد والزوايا التابعة للأوقاف, وتجب إعادة تأهيلهم أو البحث عن غيرهم ممن يهتمون بالقضايا المجتمعية والقادرين علي مناقشة ومخاطبة العقل, والقادرين علي إعادة تأويل النصوص بشكل عصري, وأن تكون لديهم النظرة النقدية لما هو موجود من تفسيرات, وأن يهتموا ببث قيم أساسية للتعامل مع التراث ونصوصه. *وكيف نجد هذه النوعية من رجال الدين؟ **عندما نغير نظام التعليم القادر علي تربية شخصية لديها قيم الحوار والتفكير المستقل ولايتقبل الأمور علي علتها, لو تم هذا التغيير مع وجود مجموعة من العلماء والباحثين الذين يملكون جرأة علي إعادة النظر في التراث الاسلامي بروح نقدية انطلاقا من القيم الأساسية للدين من منطلق عصري فربما نستطيع تجديد الفكر بعامة. *هل تشكل الفتاوي التي أشعلت الفضائيات حربها جزءا من الأزمة الفكرية الدينية؟ **طبعا, وهي جزء مهم لترويج الفكر السلفي, انها في الأساس تروج لنفسها من خلال إثارة جدل بما يسمي بحرب الفتاوي, فتركز كل ما هو مثير ويجذب المشاهد لمزيد من الإعلانات, ولذلك تجدهم يروجون للعجائب مثل حديث الذبابة وفتوي إرضاع الكبير, وطبعا لأن المصريين شعب متدين بالفطرة فإنه يلجأ للمشايخ في ظل غياب مرجعيات بديلة سياسية وثقافية, وهذا ينقلنا إلي نقطة أخري وهي أن التيارات السياسية المختلفة تستغل الدين في صراعتها وهذا أيضا يروج للتشدد والخطاب السلفي. *وما الذي أدي إليه تداخل الدين بالسياسة؟ **أدي إلي مزيد من عزل الناس واتجاههم للدين, وبالتالي السيطرة علي أفكارهم, ليتحول الدين إلي طريق للاستغلال, وتكريس الأمر الواقع.