دلفت إلي الطريق خارجا من باب عمارتي ملتقيا بالشارع, وهو ذاك الشارع القابع في الحي العريق مسبقا إذ صحت التسمية حيث كان حيا خاصا بالأثرياء أو كما يسمونهم الأرستقراطيين ولم يتبق أي أثر للأرستقراطية سوي تلك الفيلا التي اتخذت من ناصية الشارع مكانا لها, والحق أنها الأن أصبحت أطلالا.. ليست أطلال أحجار فحسب بل أطلال ذكريات وعراقة!!حال شارعنا الآن ليس كالسابق إطلاقا فتجد عمارات وأبنية عن يمينك وعن يسارك والشارع عرضه خمسة أمتار وباختصار انقلبت الارستقراطية إلي الشعبية, وكل ذلك كنت الاحظه وأنا ذاهب للعمل أو من حكايات المقاهي حيث اعتاد الكبار أن يتذكروا أيام الماضي. وبينما أنا ذاهب لعملي في أحد الأيام وجدت عمالا يأتون إلي الشارع شارعين في بناء صف من العمارات داخل الشارع نفسه ولا أدري هل هي بلاهة منهم أو غباء من المستثمرين والمقاولين فبهذه الطريقة سيضيق الشارع أكثر فأكثر.. أما الغريب في الأمر انني اعتدت رؤية العمال ينجزون مهامهم بسرعة فائقة فكنت أذهب للعمل وأعود أراهم أوشكوا علي الانتهاء من صف العمارات الجديد وفي غضون أسبوع كانوا إنتهوا منه. وحيث اعتدت أن أجلس في الصالون في منزلي وحيدا وكوب من الشاي في يدي سمعت صراخا.. لم أفهمه بداية فبدا لي صراخ طفل صغير.. أو ربما عويل كلب أصابه طلق ناري.. المهم أنه صوت صراخ ضعيف يشبه الأنين لحد كبير, فركضت كما ركض غيري الكثيرون لشرفاتهم ليقتلوا فضولهم ويعرفوا صاحب هوية هذا الصوت.., والمفاجأة أنها كانت قطة.. كان صوتها غريبا بحق.. يقترب قليلا من صوت القطة الجائعة عندما تنظر في عينيك وتموء.. ولكنه ريثما يتحول إلي صوت خشن.. فتارة ذاك وتارة كذلك..والغريب أن وقتها كل ذلك لم يثيرني.. لانك عندما تري غريبين أحدهما أكثر غرابة من الآخر سرعان ما تنسي اندهاشك للأقل غرابة.. ولا أعلن إن كنتم ستصدقوني فيما سأقوله أم لا.. فالأمر قد يبدو غير واقعي ولكن ما حدث أني رأيت من الشرفة أن عرض الشارع بعدما أصبح خمسة أمتار أمسي أقل من عشرة سنتيمترات.. فقد كان العمال يبنون العمارات وأهالي الشارع غائبون عن الوعي.. كل منهم منشغل بمأساة الحياة. وأما العمال فكانت سرعتهم فائقة والمقاولون هدفهم الكسب المادي.. ولذلك لم نشعر حتي بأن الشارع يضيق.. وعندما نزلت من باب عمارتي في اليوم التالي وجدت حائطا أمامي.. لا أستطيع الخروج.. فأنا مسجون في بيتي!!وظل حديث الشارع لأيام عن تلك الحادثة.. الكل يتساءل: ماذا سنفعل؟ كلموا المسئولين!! أين كنا وكيف صمتنا؟وباتت الأسئلة غير مجدية الأن والكل ظل محبوسا في بيته أما أنا ففي اليوم الثالث وجدت طريقي.. فظللت أقفز من علي السطح إلي السطح حتي وصلت لجهة لم أرها من قبل.. وإزداد إندهاشا لما رأيته.. حيث رأيت صحراء فارغة.. رأيت رمالا صفراء.. شمسا ترسل ضياء زرقاء لا بأس بها.. طقسا ليس بالسيئ. مهلا مهلا.. إن كان أمامهم كل تلك الصحراء لماذا أصروا علي شارعنا؟! جلست القرفصاء علي الرمال الصفراء متحسسا ذرات الرمال بين أصابع قدمي والغريب أن الشمس لم تضايقني ولم أشعر بالعطش.. ونظرت لمستطيل شارعنا الذي أصبح مجرد عمارات تتزاحم كما لو أنهم بشر يريد كل واحد منهم أن يجد موضعا لقدمه فلا يجد!!وبينما أنا جالس قلت في نفسي.. لقد طالت ساعات النوم.. فمتي أفيق أو يفيق معي الآخرون؟!! مصطفي سلامة القاهرة