كعادته منذ أن كان طالبآ بالمدرسة الإعدادية العسكرية استيقظ عبد الفتاح السيسي مبكرآ كجندي متحفز علي أهبة الاستعداد، واستهل يومه بصلاة الفجر جماعة ثم خلا بنفسه ليستفتح يومه ببركة ورد لأحد اقطاب العارفين بالله شأنه شأن كثير من جيرانه القدامي بحي الجمالية المتأثرين بروحانيات جوار مقام سبط رسول الله. ثم تناول وجبة الإفطار، وارتدي زيه الرياضي استعدادآ لممارسة هواية ركوب الدراجات الهوائية بصبحة حراسه ليكون لائقآ بدنيآ وذهنيآ ليوم عمل طويل يناقش فيه دقائق الأمور مع القائمين علي إدارة حملته الانتخابية بهمة ونشاط. وبدأ علي الفور اجتماعاته المجدولة مسبقآ بمقر الحملة الأنيق بضاحية القاهرة الجديدة بدقة وانضباط عسكري، فقابل وفودا شعبية من القبائل والعشائر محملة بالمشاكل والمطالب، ودخل عليه ممثلون لنقابات عمالية ومهنية، عارضين مطالب فئويه ملحة. وانتظرته أحزاب وحركات سياسية، حاولت جس نبضه السياسي وعرضت خدماتها مدفوعة الأجر مستقبلآ وسمع قصائد مدح منتهية الصلاحية لشعراء محدودي الدخل والموهبة وحاور صحافيين ارتدوا أقنعة لسمير رجب وممتاز القط باستطاعتهم توصيل المقالات المعلبة دليفري إلي مقر الاتحادية، ورأي فنانين من زمن أوكا وأورتيجا في شوق أحر من الجمر لتقديم الجزء الثاني من أوبريت "اخترناك" في احتفالات اكتوبر القادمة ورياضيين خلعوا عليه لقب راعي الرياضة والرياضيين مبكرآ ليبقي علي بزنس العملالتطوعي الذي يجلب ثروات بالمليارات. ووسط هذه الحفلة التنكرية المفضوحة بوصلات النفاق الفجة امتلأ هواء قاعة الاستقبال بالعفن، فخشي الرجل علي جهازه التنفسي من الإصابة بربو بطانة السوء وإدمان حبوب هلاوس الزعيم الملهم والمهيب المفدي في محاولة بائسة لإحياء عظام نظام مقبور وهو رميم. ولكن أسعفته خبرته بالعمل الاستخباراتي إلي الآن علي الأقل في عدم السقوط في غياهب الفرعنة المهلكة لذا طلب من مساعده وكاتم اسراره عبد الله ان يخرجوا لاستنشاق قسط من الهواء النظيف والتحدث لأناس طبيعيين، لا يضعون مساحيق تجميل سخيفة، وإذا هم في طريقهم مروا علي كشك عشوائي من الصفيح ملاصق لقصور فارهه أشبه بندبه قبيحة في وجه مجتمع لايستحي فسمعوا منه صوتا يتلو:" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم، ساء ما يحكمون". فطرق الباب بلهفة مستغيث وجد ضآلته ؛ فأجاب من بالداخل من الطارق؟ فرد المساعد سيادة المشير، فقيل له ما لي ومال المشير أو الأمير.. فاستغرب المساعد سبحان الله أما عليك نصحيته ؟ ففتح الباب والتجأ الي زواية بداخل الكشك المظلم فسبقت كف المشير إليه فقال الشيخ العجوز يالها من يدان نجتا من عذاب الله يوم القيامة، فقال المشير: خذ ماجئت أستشيرك فيه يرحمك الله، فرد الشيخ وفيما جئت وسوف تحمل نفسك ذنوب الرعية التي سيسموها بطانتك لك هوانآ؟! وأضاف: جميع من يعمل معك ستضاف ذنوبهم إليك يوم القيامة فبك سوف يبغوا وبك سوف يظلموا وهم مع هذا أبغض الناس لك وأسرعهم فرارا منك يوم الحساب، حتي لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم أن يحملوا عنك مثقال ذرة من ذنب ما فعلوا، ولكان أشدهم حبا لك أشدهم هربا منك. وتابع: فقد وُلّي هذا الأمر من قبلك من هو أفضل منك فسأل مستشارين صدق فيمن حوله ،لقد أبتليت بهذا البلاء فأشيروا عليّ. فعد الحكم والسلطة بلاء وستعدها بطانتك نعمة. فقال أحدهم إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فليكن كبير الرعية عندك أبا,وأوسطهم عندك أخا, وأصغرهم عندك ابنا, فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك. وذكر آخر: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحبّ لرعيتك ما تحب لنفسك وأكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إن شئت، وأنا اقول لك إني أخاف عليك أشدّ الخوف يوما تذل فيه الأقدام.. وأردف: يا حسن الوجه، أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الشعب يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه فافعل، وإياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيّتك. فقد قال سيدك: "من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة". فتأثر المشير وقال: وما النجاة أشير عليك يرحمك الله قال الشيخ عندما يمكنك الله حكم مصر ليكن أول حديثك إليهم.. أيها الناس خمس خصال خذوني بهن: لكم علي ألاّ آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه، ولكم علي ألا أنفقه إلا بحقه، ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا". وفي لحظه خاطفة اختفي الشيخ كأنه طيف سار فتلفت المشير يمنيآ ويسارآ يتفقده في الكشك المتواضع، ثم انتبه مستفيقآ ليسأل مساعده: أين ذهب الشيخ؟ فرد المساعد أي شيخ سيدي؟ لايوجد أحد هنا فقال المشير مبتسمآ: لاعليك !!