بصقت الأرض في وجوهنا، وأزاحت السماء وجهها بعيدا، وقاطعتنا الأخلاق، وخاصمتنا المشاعر، وهجرتنا الإنسانية، وهاجت براكين غضب البراءة، واستكثرت الحياة علينا دركها الأسفل، وتيبس التسامح، وانسدت شرايين الاستغفار والاعتذار والتوبة، وتجردت حياتنا من زيفها وكذبها ووقف الجميع كساه عراة منكسي الرءوس باغتصاب الطفلة ميادة ذات السنوات الأربع بهذه الطريقة في بورسعيد. أحيانا تعجز الكلمات عن وصف موقف بعينه وهو ما ينطبق علي تلك الواقعة التي تجردت فيها أم من إنسانيتها ومشاعرها، ولكن ليس من الحكمة أن نهرب من هذا الموقف لأن الذي يتابع الخطوات التي مرت بها مأساة الطفلة ميادة مع أم قيل إنها اختارت عشيقا كانت تستقبله ليلا ونهارا بمنزلها بقرية صغيرة علي أطراف بورسعيد دون حياء ولا خشية من الجيران، وعشيق يقال إنه يتحرك بلا عقل تحت تأثير رغباته، وأب لا يفيق من هموم الحياة وأوجاع الفقر، وأمومة تتربي علي فتات الشيطان، وطفلة بريئة رأت والدتها في لحظة عشق محرم أنها تقدمها لعشيقها فداء عجزها عن الخيانة في فترة الحيض فلبت نداء الشيطان، وأسرة وقرية ومجتمع يشهدون صمتا علي تنفيذ إعدام نفسي وبدني بحق طفلة تتعلم بدايات الكلام في زمن الخطايا والكبائر، وتنتهي مأساتها بين جدران غرفة للعمليات بمستشفي يتيمة من كل الأشياء كما كانت تعيش ودون إنسانية كما كانت تحيا. كل تلك الفصول المتداخلة بعشوائية غير مسبوقة، وبتحد للناموس الإنساني تؤكد أن ما حدث اغتصاب للمجتمع كله، ويفض غشاء بكارة المتاجرين بشرف الوطن في سوق النخاسة السياسية، لأن ميادة وأمها وعشيقها وأباها ونداء الفقر والشيطان بقريتها ليست الحالة الوحيدة التي يتجاهلونها، فهناك آلاف الحالات التي تداري في ظروفها القاسية عار ما يرتكبه البعض في حق المجتمع، مسئولون يكذبون، ومجتمع مدني منفصل عن الواقع، ونخبة تعيش علي التنفس السياسي الصناعي، ومثقفون تحت احتلال أفلام السبكي، ومواقع وصحف تتعامل مع العلاقة الجنسية بمفهوم "الدال علي الجنس كفاعله"، وأحزاب سياسية حبيسة الصوت الانتخابي، وأغنياء ومستثمرون ورجال أعمال يتمتعون بحصانة الحياة علي جثث الغير، وفقراء وبسطاء ومحتاجون يموتون يوميا من فرط إدمان الواقع المر. أعلم أن تعرض الأطفال للاغتصاب جريمة تعرفها غالبية دول العالم ولا تقتصر علي شعب بعينه، وتكون الأم هي المكلومة بما حدث لطفلها إلا في حالة ميادة فقد قدمت الأم طفلتها لمغتصبها بعد أن أقنعته بأنوثتها وهيأتها له ليضاجع في صورتها كل المجتمع الذي يتعامل مع مثل تلك الجرائم بلا اهتمام. ما حدث لميادة لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، ولابد أن يستيقظ الجميع من غفوة السياسة وسكرتها التي سيطرت علي كل شيء، وتركت المجتمع يتحمل الفاتورة والبسطاء يدفعون الثمن ويكفي أن ميادة لم تجد سوي أم "زينة" التي حرمت من ابنتها لتبني ورعاية "ميادة" بعد أن تخلي عنها الجميع.