أيها الكائن الفضائي, يا جزئي الآخر لكي يكتمل الوجود, بلغتي الجديدة سوف أخاطبك بلغتك الجديدة سوف تحادثني عن أماني لكلينا في الحياة أثناء لعبي في الحديقة فوجئت به, كان يشبه الدجاجة أو البطة بساقيه الإثنتين, وجسمه المفلطح العريض, رأسه كانت فوق عنق طويل فوق انتفاخ جسده. اعتبرته كائنا جديدا من أصدقائي الحيوانات, التي تعرفت عليها في الشهر العاشر من عمري بقط الجيران كما أخبرني والدي وهتفت كما سمعت: قطة, من يومهاوأنا أهوي التعرف علي الكائنات الجديدة. أما عني أيها القارئ الظريف لرسائلي هذه التي ربما تضيع في بيتي الخشبي فوق الشجرة الكبيرة في حديقتي, فأنا يحيي اسماعيل, أبلغ من العمر خمسة عشر عاما, وأدرس في مدرسة السويس القديمة للبنين وبالتحديد في الصف الثالث الإعدادي. هوايتي الأولي هي القراءة, والثانية هي اللعب مع الحيوانات التي أهواها جدا ومنها قطتي سندس وعصفوراي شهريار وشهر زاد اللذان يحتويهما قفص أزرق ويوقظاني صباحا علي أصويتهما العذب, بالإضافة إلي صندوق زجاجي به أسماكي الغريبة التي اخترتها أنا بنفسي ربما لغرابتها تلك. نعود أيها القارئ الظريف للكائن الفضائي الغامض الذي وجدته, ربما يتبادر إلي ذهنك سؤال كيف عرفت أنه كائن فضائي؟, لقد تحدثت إليه.. نعم تحدثت إليه.. كيف؟ عندما قابلته أول الأمر كان يخشاني, بينما أنا الذي أهوي الغرائب كنت أشجع منه, لقد ابتعد عني قليلا, ثم لم ألبث أن قلت في ود: السلام عليك أيها الكائن الغريب! فوجئت بأن معه جهازا صغيرا في يده سرعان ما تلون بألوان غريبة متناسقة ثم أصدر نفس صوتي بكل أحاسيه ولكن بلغة لم أفهمها عبارة عن عدة نغمات موسيقية. تحدث الكائن مجيبا بتلك اللغة, لم أفهم شيئا, إلا أنه بعد لحظات تلون الجهاز الاسطواني الصغير في يده بنفس الألوان الغريبة ثم أصدر صوتا شبيها بصوت الضفادع ولكن بلغتي أنا: مرحبا اسمي سان وأنت؟! أخبرته باسمي وحدثته عن نفسي ووطني الأرض, وأخبرني كثيرا عن وطنه كوكب راموس في المجموعة النجمية أندروميدا وكيف سقطت مركبته الفضائية المكتشفة علي كوكبنا الذين يسمونه( ك 3) كانت مركبته الفضائية واحدة من المراكب التي تزورنا في أوقات مختلفة ونسميها( الأطباق الطائرة). سان كان لطيفا, وصوته المقارب لنقيق الضفادع به نغمة حزن, ناتجة عن وحدته علي كوكب الأرض, ويعتبره أحد أهم الكواكب الناطقة بالحياة في كوننا الذي يبلغ طوله15 مليار سنة ضوئية. أخبرني أنه سعيد بالتعرف إلي.. وأنه يحتاج إلي مكان يأويه من هذه الكائنات الغريبة والحشرات التي لا يعرف مثلها في كوكبه راموس. أسعدني جدا أن أستضيفه ب بيت الشجرة كما كنت أسميه بيت فوق شجرة ضخمة الجذع والساق متوسطة الطول في حديقتنا الواسعة, أصعد إليه بسلم خشبي. *** سان كان يشكو دائما من الوحدة, أخبرني عن وطنه الذي لا توجد به هذه الحيوانات والحشرات الغريبة( ومنها قطتي التي يسميها بالكائن الوحوش المفترس), كان قد استطاع أن يحضر معه علبتي غذاء مقو تكفيه مدة شهرين علي كوكبنا( ك 3). كما أخبرني أنه في انتظار مركبة فضائية تدعي المنقذة مخصصة لنجدة رواد الفضاء التائهين من كوكبه راموس. كان يحدثني بينما ينقل الجهاز نبضات صوته التي توحي بالحزن, أخبرني بأن لديه طلبا غريبا: لدي طلب ربما يبدو إليك عجيبا يا صديقي يحيي حسنا سان.. هات ما لديك صمت لحظات ثم قال: أود أن أتحسس وجهك! أجبته في لهجة فضولية.. وأنا أيضا أريد أن أتحسس وجهك! مرت علينا لحظات, إن قراءتي لقصص الخيال العلمي أفادتني كثيرا في تصور تلك الكائنات الفضائية العجيبة التي بالتأكيد هي تملأ الكون حولنا, لكنني لم أتخيل هذا الملمس الهلامي الرخو لوجهه وكأن أصابعي تغوص فيه, وعيناه اللتان بلا رموش تلمعان بضوء يصدر أحيانا من بؤبؤ عينيه عند انفعاله كما لاحظت ذلك. وفمه الذي هو عبارة عن شق رفيع في وجهه, ورأسه الأصلع الذي يشبه ملامحنا ولكن بشكل مصغر فوق عنقه, وانتفاخ جسده وذراعاه الصغيرتان, وكان جسده يشبه الدجاجة ولكن بضعف حجمها. *** جاءت الليلة الحاسمة.. بعد ثلاثة أيام من إيوائي لصديقي سان وفي الثانية عشرة إلا ربعا كنت قد تسللت من فراشي ونزلت درجات سلم منزلنا إلي حيث بيت الشجرة وأنا أسمع هسيسا لحشرات الليل كثيرا ما أخبرني صديقي سان بأنه يرعبه. في الثانية عشرة تماما سوف تأتي مركبة الفضاء المنقذة إلي حيث حديقتنا لنقل صديقي سان. كان صديقي سان قد أخبرني بأنه اتصل بالمنقذة فور تحطم مركبته عن طريق جهاز صغير للطوارئ في بقايا مركبته, لم تلبث أن تحولت بعدها إلي طاقة ضوئية صافية, أنارت لمدة ثوان حديقتنا في الجزء الأخير من الليل قبل ثلاثة أيام. حملت صديقي سان هابطا به من بيت الشجرة إلي أرض حديقتنا وعلي بعد مسافة صغيرة خالية من الأشجار وقفنا أحدنا أمام الآخر, أصدر عدة أصوات تشبه التنحنح ثم قال عبر الجهاز: لقد جاءت اللحظة الحاسمة يا صديقي يحيي سوف أعود إلي وطني العزيز حاملا ذكريات جميلة عن بيت الشجرة الذي استضفتني فيه. اقتربت منه وحملت يده ذات الأصابع الصغيرة في يدي ثم قلت: جاءت لحظة الوداع يا صديقي.. بدت الدموع في عيني وأنا أتحسس جسده بيدي وقد انحنيت نحوه علي ركبتي وقد استلقي بين ذراعي.. بينما أصدر هو عدة نغمات توحي بالحزن الشديد ونقنق قائلا: سوف أتذكر دائما وطنك العجيب يا صديقي يحيي أرجو أن تذكرني, أجبته بصوتي الذي به نهنهات الألم لفراقه.. لم أنسك أبدا.. ثم واصلت بحب وبصوت دافيء... يا جزئي الآخر لكي يكتمل الوجود, بلغتي الجديدة سوف أخاطبك بلغتك الجديدة سوف تحادثني عن أماني لكلينا في الحياة. ياسر محمود السويس