بينما تنهمك الدول العربية عامة في شئونها الداخلية، تتسارع عملية تهويد المدينة المقدسة وتزداد وتيرة الاستيطان في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967م. لافشال المفاوضات التي تقوم على فكرة حل الدولتين، ويبدو ان المفاوضات الجارية برعاية وزير الخارجية الامريكي جون كيري، لم تسفر عن اي تقدم ملموس بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. ما يعنى ان الطرفين باتا يتأهبان لمرحلة مابعد المفاوضات والتي ستنتهي في ابريل القادم. القيادة الفلسطينية بزعامة الرئيس محمود عباس وإن إضطرت للدخول في المفاوضات تحت رعاية كيري، فإنها لن توافق على تمديدها بهذه الطريقة المهينة، ولذلك لوحت بأنها ستلجأ إلى استكمال الإنضمام الى المنظمات المتخصصة في الاممالمتحدة لاسيما محكمة الجنايات الدولية، وهو ما سينذر بمعاقبة إسرائيل وقادتها على جرائم الحرب بحق الشعب الفلسطيني. وإستدراكا لهذا الوضع، وقع الرئيس عباس في يناير الماضي ثلاث اتفاقيات مع موسكو، تمهيداً لاستحضار القوة الروسية المتعاظم دورها، بإعتبارها الصديق والحليف والداعم الرئيسي القديم للعرب، حيث نلاحظ هنا، أن روسيا فرضت حضورا لافتا في الصراع الدائر في سوريا، وفي الملف النووي الايراني، ودشنت مرحلة جديدة من العلاقات مع مصر، بعد تبادل الزيارات الثنائية بين وزيري خارجية ودفاع البلدين، وإعلان الرئيس الروسي بوتين عن دعمه للمشير عبد الفتاح السيسي، يعني فتح معركة جديدة مع واشنطن يمكن تسميتها معركة النفوذ وبناء التحالفات. وفي المقابل نرى ان واشنطن بدأ ينحسر نفوذها بعد ثورة 30 يونيو وسقوط مشروعها الإستعماري في إعادة رسم خارطة الجغرافيا السياسية في المنطقة، متساوقا مع المشروع الإخواني والتنظيم الدولي، ولا عجب في أن ذلك يساهم في إستكمال المشروع الصهيوني القديم الجديد، في التمدد والسيطرة على المنطقة العربية. وعود على بدء، فإن إسرائيل تدرك تماماً أن قدوم روسيا إلى المنطقة لاتخدم إستراتيجيتها على الإطلاق بل خطرا يهدد وجودها، فدأبت على بث سمومها لاضعاف الرئيس عباس وإسقاطه، حيث إعتبر رئيس وزرائها نتنياهو أن ابو مازن ليس شريكا في عملية السلام وبأن محمد دحلان المفصول من حركة فتح والهارب من المثول للقضاء الفلسطيني بتهم فساد، هو الشخص الأفضل لخلافة الرئيس عباس، ثم راحت قيادات أمنية وسياسية إسرائيلية عديدة من بينها وزيرة العدل تسيفى ليفني تهدد عباس بحياته حال فشل المفاوضات. ثم كرر ذلك الطلب الوزير كيري، مطالبا بإعادة دحلان لحركة فتح. وكأننا أمام إعادة إنتاج نفس السيناريو الذي جرى مع الزعيم الراحل ياسر عرفات في مؤآمرة اسقاطه، نفس الامر يتكرر مع الرئيس عباس، لكن خيوط المؤامرة أخطر هذه المرة، إذ أن ضغوط كيري على عباس تأتي في سياق معركة النفوذ وإعادة تموضع وبناء تحالفات جديدة في المنطقة. يجدر الانتباه هنا إلى حالة التقارب بين حماس ودحلان أثارت الذهول بحق..!، لأن أحد أبرز أسباب الإنقسام وإراقة الدماء الفلسطينية وجود عداء قديم بين النقيضين، لكن لعبة المصالح جعلت حماس ترى أن التقارب سينقذها من الأزمة الإقتصادية بعد إشتداد الحصار عليها إثر سقوط نظام مرسي، عبر إستقدام الإستثمارات والمليارات من خلال إعادة دحلان ورجاله إلى قطاع غزة، بينما دحلان يطمح في هذا التقارب لتعزيز نفوذه تمهيداً لخلافة عباس ووراثة حركة فتح، أو القيام على أنقاضها بعد ردمها. وفي إعتقادي أن خيوط هذه المؤامرة باتت مكشوفة ولن تمر على شعب غزة، بدليل خروج الشعب الغزي لإستقبال وفد فتح الاسبوع الماضي وسط هتافات مبايعة للرئيس عباس. إن الوقوف في خندق الإحتلال أو الإستقواء بالخارج لن يجلب على أصحابه إلا العار، فإرادة الشعوب لا تعترف بالعملات الأجنبية، وكذلك إرادة شعب فلسطين ليست بورصة..!، ولن تشترى لا بالمليارات ولا حتى براميل الذهب..!. وأقول إلى كل من يراهنون على ذلك، إن كل المؤامرات التي تحاك لإسقاط السلطة الفلسطينية ورئيسها ستحطم على أعتاب غزة. وواهمُ من يظن أن شعب غزة سيخذل رئيسه أبومازن أو يتخلى عنه.