حين أغمض عينيه هناك كان قلبي يبحث عنه في الطرقات وروحي باكية. لكنه لم يكن موجودا ليزيح اياديهم عني ويهبني نقودا تكفي لشراء علبة أقلام ملونة, وعصاية الراجل العجوز, ثم يدفعني برفق, ويغلق باب البيت, وكلبي هناك في الطرقات مسحوبا من رقبته دون أن يعوي. يقول: بكره يرجع لوحده. ويجذبني من قلبي فتتشتت العصافير في الصفحة, ولا أجد القلم الأزرق لتنعم السمكات بعالمها, ولم أجرؤ علي تلوين عينيه العسليتين كي لايراني وأنا أحذب سقاطة الباب لأستعيد كلبي المنهك أو أطير في الفضاء الأبيض. بكره يرجع.. وكان هناك ممددا في جلبابه الرمادي يتشبث بيدي ويقول: أنت بتعيطي ليه؟!! ألف الشريط الأبيض تحت ذقنه وأسحبه لأعلي رأسه وأربط برفق قبل أن أمرر أصابعي علي شفتيه المذمومتين الآن علي كلمته الأخيرة, وأسبل عينيه, فتفقد الأقلام ألوانها. يدفن في ترابنا. ويحوم حولي مفزوعا, أشد قدمي المثقلة به, أفك قيود رقبته, ألوان جروحه بصبغة اليود فينكس نظرته بعيدا عن فتنة الذكري. متعيطيش ياورد. حاضر يابابا. ينظر الي قلبي المشدود بضحكته, احتوي رأسه المثقل بالآلام فتتناثر روحي ولا أقدر علي سحبه من الفقدان. أنا بموت ياورد. انت كويس والله يابابا. وتغيم عيناه التي تعرف كل تفاصيلي فلا أقدر علي المرور وحيدة بلا مدركات مليش دعوة, أنا عاوزه الكلب بتاعي, مليش دعوة. ويحدد باللون الأسود حركة الأرجوحة, وعدد ورقات الشجر, وحدود الشطآن, فلم يستطع كلبي المرور بين السمكات النافرة. هيرجع لوحده. قل أعوذ برب الفلق.. تمسد شعري, تمرر اصابعها ما بين عيني, وبين طيات ملابسي, تدهن ظهري وصدري بماء متعزم عليه وتشعل العروسة الورقية التي فقأت فيها كل العيون التي لمحتني ولم تصل علي النبي وتقول هامسة وهي ترسم الصليب بالسواد علي جبهتي وفي باطن قدمي اليسري. اشربي ياورد, عيطي يا حبيبتي. أدور حول سريره بلا هدف, ادفع روحي في كل الاتجاهات لتلامس روحه فيعرف اني أحببته دوما رغم اني لم استطع تخليصه من الألم, ولم تقدر كل تفاصيلي التي يعرفها وحده ان تعرقل روحه ليبقي أو يسحبني معه. البقية في حياتك. أبانا الذي في السماء, هذه هبتك ردت اليك... يا أيتها النفس المطمئنة, ارجعي الي ربك راضية.... الدمع كلام القلب عيطي ياورد. ويرسم في كفي عينا لوزية تشبه عيني. يقول: متخافيش من أي حاجة, العين بتحرسك. أسير في الطرقات وحيدة, وعيناي مغمضتان, وكلبي هناك يعوي في السنين الموحشة, فيبكي قلبي باستفاضة. وحشتني يابابا. عشر سنوات والعين توشم في روحي, وأدور حول جسده بلا هدف.. أرسم الصليب في رسغي والعين في كفي, وكلب يمرح بين تدرجات اللون الأزرق اللهم خلصني وبقوتك احكم لي خلصني يا الله لان المياه قد دخلت الي نفسي سامحيني ياعدرا أنت مسلمة ياورد...!! يرسم عيني بالكحل الأسود في سبت النور وصباحا يصنع لي سلاسل وطيورا من السعف يقول: متفرقش, الدين للرب. يغسلون ضحكته الرائقة, ورائحة عرقه التي تستعمر روحي, وتفاصيلي التي سكنت عينيه, ويلقون كفنه الأبيض برائحة الياسمين. هدفنا هنا.. دي وصية بابا. يستلقي من الضحككك وانا أرفرف حوله بفستاني الأصفر, وشعري المفكوك واقدامي حرة. فتحي ياوردة.. قفلي ياوردة هنا وردة.. وهنا وردة. العين راحت فين!!! لا اله الا هو الحي القيوم... يهز رأسه كبندول مع حركة جسده, ويرتل بهمس جارح, اشد فستاني الاصفر علي ساقي, التصق بظهره واحرر اقلامي الملونة وارسم كلبا بلا جروح لا يشبه كلبي. فتحي عينك ياورد. ينتفض جسدي, أتحسس رسغي الملسوع بالبرودة, وكفي المثقوبة, المحهن, العصفورات والسمكات, في فراغ أبيض, ويده علي وجهي تشير الي عيني بضحكته الرائقة. فتحي ياوردة.. هنا وردة.. وهنا وردة. أمد له ذراعي عبر الصفحة.. وحشتني أوي يابابا.