الحدث الأول هو فوز حزب الحرية الذي اسسه النائب اليميني الهولندي خيرت فيلدرز في الانتخابات التشريعية الأخيرة بنسبة عشرين في المائة من أصوات الناخبين ولمن لا يعرف فالسيد فليدرز له اصول اندونيسية قديمة لكنه يعارض فتح باب الهجرة في هولندا للقادمين من الشرق الأوسط خاصة الدول الإسلامية والعربية. انه منتج الجزء الثاني لفيلم فتنة المسيء للإسلام والذي تسبب الجزء الأول في مقتل مخرجه ثيوفان جوخ علي يد شاب مغربي في امستردام منذ نحو خمس سنوات. غرابة هذا الحدث ان السيد فيلدرز الذي منعته تركيا رسميا من دخول اراضيها ورفضت لندن ايضا دخوله انجلترا, سيصبح صانع الملوك في الحكومة الهولندية الجديدة المرتقبة التي ستتشكل حتما من حكومة وطنية تجمع يمين الوسط الفائز ب31 مقعدا وهو حزب الحرية الديمقراطي والحزب الذي كان يقود الائتلاف السابق وسقط وهو المسيحي الديمقراطي أي من الاحزاب الثلاثة هذه لا يحظي بأغلبية برلمانية, كما ان حزب العمال الهولندي الفائز ب30 مقعدا ومعه الحزب الاشتراكي وحزب الخضر اليساري غالبا ستبقي في كواليس المعارضة لأن الأحزاب الثلاثة الأولي متعطشة إلي الحكم وهي متقاربة بأشكال مختلفة في رؤيتها الأساسية علي ما يجب ان يكون عليه المجتمع الهولندي في السنوات القليلة المقبلة بالنسبة لقضايا الهجرة والإسلام والتعليم وسن المعاش والعلاج الصحي, وهي القضايا الأساسية التي تشغل الناخب الغربي والسياسي الغربي علي اختلاف ألوان الطيف السياسي والديني. غرابة الحدث الأول هي في الصعود المفاجئ لحزب الحرية الهولندي, بالرغم من كل التوقعات السياسية بعدم حصوله علي مقاعد جديدة في الانتخابات لكنه احبط هذه التوقعات بحصده أكثر من مائة في المائة من مجموع اصواته في البرلمان السابق والسبب هو اعلانه بكل وضوح انه ضد الاسلام باعتباره دينيا ايديولوجيا كما يقول السيد فيلدرز بل انه طالب رسميا بإغلاق جميع المساجد والمدارس الاسلامية وحظر تداول القرآن مثلما شبهه بكتاب كفاحي لأدولف هتلر المحظور تداوله إلا في المكتبات العامة التابعة للدولة! تأتي الغرابة من أن الرؤية السائدة للمجتمع الهولندي هي انه مجتمع التسامح والقبول الديني والسياسي عبر تاريخه الممتد... لكن الانتخابات الأخيرة دحضت هذه الفكرة بالأرقام والإحصائيات والمقاعد أيضا! والغريبة الثانية هي تصريح السيد خالد شوكات وهو احد مؤسسي مهرجان روتردام للفيلم العربي والمسئول عن ادارته وتسويقه, بقوله في جريدة اليوم السابع المصرية بتاريخ30 مايو2010 بقوله دعونا مخرج فتنة لنثبت انه متطرف وجاء في الخبر طبقا لما نشرته اليوم السابع ما يلي أكد خالد شوكات, رئيس مهرجان الفيلم العربي بروتردام, أن الهدف من من دعوته النائب الهولندي المسيء للإسلام خيرت فيلدرز لحضور حفل الافتتاح عرض فيلمه فتنة المثير للجدل علي جمهور المهرجان في دورة العاشرة23 يونيو المقبل, هو اثبات أننا كعرب ومسلمين نملك قدرا من التحضر, ونستطيع إقامة حوار بناء. مع من نختلف معنا مشيرا إلي ان فيلدرز يتهمنا دائما بأننا متطرفون وعدائيون ولانستطيع اقامة حوار بناء ولمن لا يعلم فالسيد شوكات مقيم بهولندا ويجيد الهولندية ومن المؤكد انه يتابع تصريحات السيد فيلدرز المثيرة للجدل في الميديا الهولندية والبرلمان الهولندي في احدي خطبه الطويلة الموثقة في التليفزيون الهولندي حينما احضر مصحفا ومزقه امام الكاميرات والقي به في سلة المهملات قائلا هذا هو المكان الذي يجب أن يكون فيه ثم نشرت القدس العربي بتاريخ1 يونيو2010( أي بعد يوم واحد من تصريحه السابق!) تصريحا للسيد شوكات بما يلي أكد خالد شوكات رئيس مهرجان الفيلم العربي في روتردام بهولندا أن مهرجانه لن يعرض الفيلم الهولندي المثير للجدل فتنة في دورته العاشرة المقرر انطلاق فعالياتها في23 يونيو القادم وأن ما أثير في هذا الصدد لا صلة له بالحقيقة وقبل ذلك بتواريخ متقاربة نشرت اذاعة هولندا العربية خبر دعوة فيلدرز وفيلمه إلي المهرجان وكتبت أنا تعليقا مستنكرا الدعوة وتم نشره لكن السيد شوكات لم يكذب الاذاعة ولم يصحح الخبر المنشور! لكن السيد شوكات تنبه إلي انه قد صرح بالفعل قبل ذلك في وسائل الاعلام الهولندية وأهمها اذاعة هولندا العربية بان المهرجان سيعرض الفيلم ليقول في تصريحه الأخير. انه وجه الدعوة في وقت سابق للبرلماني الهولندي خيرت فيلدرز منتج ومؤلف الفيلم لحضور مناظرة سينمائية فكرية علي هامش المهرجان حول الفيلم ورأيه في الإسلام يناقشه فيها رواد المهرجان من سينمائيين ومثقفين عرب لكنه لم يستجب وبالتالي لن يعرض الفيلم هذه غريبة هولندية تضاف إلي الأولي, التي تتميز عن الثانية ان السيد فيلدرز لم يتنكر اطلاقا لتصريحاته السابقة حول ما ذكرناه من قضايا وخاصة فيما يتعلق بالإسلام بل انه امكدها في مناظرة تليفزيونية علنية ابان السباق الانتخابي للمرشحين عن الاحزاب الرئيسية الكبيرة. اني شخصيا ضد تجريم ومنع الافكار والأعمال التي تعرض ما هو قائم سياسيا ودينيا واجتماعيا, طالما ان منتجيها يعلنون عن استعدادهم للنقاش حول اعمالهم لكن من المعروف ان السيد فيلدرز رفض اكثر من مرة الدخول في نقاش مع اكاديميين هولنديين واجانب ومسلمين يقيمون في هولندا, لهم نظرة علمية وتقدير ايجابي للاسلام كدين ثقافة يؤمن به( وبها) الاف الملايين من البشر. لكن ظاهرة السيد شوكات هي ايضا جديدة في مجتمع اوربي يتمسك بتقاليد الحوار وعدم انكار تصريحات وأعمال موثقة! تصريحات السيد شوكات الأولي كانت في الأغلب تغازل اليمين الهولندي وخاصة الاعضاء في بلدية الحكم المحلي لمدينة روتردام الداعمة ببضعة مئات الآلاف من اليورو للمهرجان, خاصة في ظل تصريحات كثيرة بتقليص الإنفاق الرسمي فالمهرجان الذي يديره السيد شوكات قد استنفد اغراضه منذ عدة مواسم سابقة ولم يعد جسرا بين الثقافات كما يأتي في ديباجته, خاصة ان الحضور الهولندي شبه منعدم كما ان الحضور العربي ضعيف لا يوازي الأموال المصروفة علي المهرجان. لكن فجاجة تصريحات فيلدرز التي يصعب علي الهولندي العادي ابتلاعها, من المؤكد اصابت السيد شوكات بالتردد حول دعوة فيلم فتنة للمهرجان بدعوي المناظرة التي زعم السيد شوكات انها كانت الهدف الاساسي للدعوة ومناظرة دينية سينمائية؟! هذه ايضا غرائبية جديدة تضاف إلي سابقتيها!