ما الذي يدفع الإنسان إلي التقدم للأمام أو التراجع للخلف. هل هي الإرادة المتعمدة أم هي لحظة توقد للعقل أو حتي غفلة عن الوعي والواقع الذي نعيشه؟ تساؤلات كثيرة ومحيرة تموج في نفوسنا هذه الأيام فلا نحن قادرون علي التحلي بإرادة التقدم للأمام والصبر علي حالنا حتي نستطيع وضع القواعد الأساسية لهذا التقدم ولا نحن قادرون علي كبح جموع شهواتنا السياسية وترويض نزعات الشر اللاإرادية بداخلنا. هل يعقل أن ينتفض شعب ويثور علي قوي الظلم والفساد ويستطيع في زمن كان مدهشا إلي حد كبير ان يقوض أركان حكم عاش قرابة الثلاثين عاما ونظامه الفاسد. أقول. هل يعقل أن يكون شعب بهذه الثورية المحركة للتاريخ أن يتحول إلي هذا الانقسام المزري وحالة التخبط السياسي للحد الذي لا يستطيع فيه التوافق علي دستور يحدد ملامح حياته المستقبلية؟ كلما توهمنا ان ما يسمي بالمرحلة الانتقالية التي تعقب الثورة وتمهد لبناء دولتنا الحديثة قاربت علي الانتهاء فوجئنا أننا نعود إلي النقطة "صفر" وكأننا نسير محلك سر. نختلف علي الدستور من منطق فئوي ونثور علي أي حكومة بعد شهر من توليها وننعتها بأبشع الصور تحت دعوي الفشل في إدارة شئون البلاد. نخرج علي الناس في الفضائيات ليل نهار لنمارس شهواتنا السياسية المراهقة وفق أطماعنا الشخصية وانتماءاتنا المصلحية حيث لا حدود لأي شيء. نغالي في التقريع والتمجيد وصنع التابوهات المقدسة لمن نريد ونمعن في التهوين والتخوين وإسباغ كل الصفات العدائية علي من يخالفنا الرأي. يا سادة نحن جميعا نعيش علي أرض مصر نحبها لأننا ولدنا علي ترابها ولا وطن لنا غيره إن لم نستطع العبور علي خلافاتنا والتوافق علي صورة مجتمعية للحياة في المستقبل نتعايش عليها ستهتز الأرض من تحت أقدامنا وينهار كل شيء وسنظل مجمدين في مرحلة اللا شيء. هناك تساؤل يطرح نفسه لماذا الانقسام؟ هل نختلف علي وطن يجمعنا. أم عقيدة تظلل حياتنا الدينية. أم أننا نعجز حتي عن رؤية الطريق من أمامنا فبتنا نتخبط ما بين خلاف علي نسبة الفلاحين والعمال أو مسئوليات مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية. تارة تعلو أصوات تنادي ببقاء مجلس الشوري وأخري تتعالي أصوات بإلغائه وما بين هؤلاء وهؤلاء تجد من يريد إمساك العصا من المنتصف ويقول ببقائه ولكن بمسمي جديد مجلس الشيوخ وبالطبع بصلاحيات جديدة. وهكذا من خلاف لخلاف وتتسع الدوائر الخلافية لحد الانقسام المجتمعي الذي نغرق فيه. إلي متي تستمر حالة الغياب عن الوعي السياسي التي أصابتنا في مقتل؟ هل ننتظر حتي تملي علينا خارطة سياسية من الخارج؟ أم ننتظر ريثما ينتهي المتربصون بنا من رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد ويقسمون ويغيرون في ملامح حياتنا وأرضنا كيفما يشاءون؟ وما أتحدث فيه ليس وهما ولا شططا سياسيا ولكنه واقع بدأ بإرهاصات الربيع العربي وسرعان ما تحققت ملامح المخطط بتقسيم السودان ومازال السعي حثيثا لشق الصف العربي دولة دولة وفي ظل غيبوبتنا السياسية تحاك من حولنا المؤامرات وصدق رسولنا الكريم عندما قال ما معناه "سوف تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة علي قصعتها فقيل أمن قلة يا رسول الله قال لا بل كثرة ولكن كغثاء السيل". وهذا هو حالنا فنحن كثرة ضعيفة متهاوية لا تقوي علي شيء سوي الخلاف والتعصب والصراع علي أطماع وقتية دون أن ندرك حجم مسئوليتنا جميعا تجاه وطن مستهدف لابد وأن نتحد ليقوم ولا نختلف لينهار. وإذا كان الإخوان المسلمون يرون أنهم أصحاب حق فهذا واقع كان واندثر وإذا كانت جموع الشعب المصري التي خرجت متمردة علي نظام الإخوان في حالة من المد الثوري العظيم يوم "6/30" تري أنها صاحبة الحق الأصيل في هذا البلد فهذا واقع نعيشه الآن وإذا استمرت حالة الشقاق هذه في أوصال الأمة فلسوف نفقد الأمل في بلد ينهار بأيدي أبنائه. نحن يا سادة أبناء وطن واحد لا تقسمنا التصنيفات الدينية ما بين مسيحي أو مسلم فكيف يقسمنا الخلاف الأيديولوجي؟ لماذا لا يستسلم الإخوان المسلمون لتداعيات واقع هم لم يستطيعوا الحفاظ عليه ويريدون أن يستعيدوه بالقوة ولو علي حساب دم الشعب المصري كله؟ أي دولة تلك التي يمكن أن تقوم علي أشلاء شعبها. وأي حكم هذا الذي يأتي بالقوة والدم؟ أفيقوا أيها الإخوة علي واقع بات محتوما واهجروا خيالات لن تعود ولتلحقوا بتلك الفرصة الأخيرة قبل أن يضيع كل شيء فما زالت خارطة الطريق للمستقبل السياسي في مصر في طريقها لأن تكون واقعا ملموسا وسنعبر خلافاتنا ونستفتي علي الدستور وننتخب مجلسا نيابيا يعبر بحق عن جموع الشعب وننتخب أيضا رئيسا للبلاد بإرادة حقيقية وفاعلة والخيار في النهاية لكم إما التوافق واللحاق بركب الحياة السياسية الجديدة في مصر أو التلاشي من المسرح السياسي إلي الأبد. رابط دائم :