كلما مررت علي ميدان التحرير حاولت ان استعيد صورة شعب ثائر خرج يوم 25 يناير غاضبا ساخطا متمردا علي واقع سياسي واقتصادي وإنساني بغيض.. خرج المصريون في هذا اليوم دون ان ينظر أحدهم إلي دين الآخر أو إنتمائه السياسي أو وضعه الإجتماعي كان الجميع يحملون حلما قديما بالتغيير والانتقال إلي وطن جديد يحقق لهم العدالة والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية.. كلما استعدت هذه الصورة اطلت من بعيد امامي صورة أخري يعيشها المصريون الآن حيث الانقسامات والصراعات والمعارك الوهمية حول أشياء لا وجود لها.. هذا الشعب الذي ثار علي الاستبداد هو نفسه الذي يصارع الأن بعضه بعضا تحت شعارات دينية أو ليبرالية أوعلمانية..انقسم المصريون تحت راية زعامات مختلفة لم تحاول ان تتفق علي شئ وربما وجدت في حرب الانقسامات ما يملأ الفراغ أو يرضي بعض الطموحات الغاربة ان مجرد النظر في خريطة الإنقسامات في الشارع المصري تلقي بنا إلي دوامة من الحزن الثقيل لما وصلت إليه احوالنا نحن امام تيارات دينية كانت هي الأجدر بأن تسمو فوق كل الصراعات بحكم الانتماء وبحكم التجربة.. انها تيارات اختارت طريق الله ليكون نبراسا وهديا وملاذا.. وكان ينبغي ان تؤكد ما آمنت به طوال تاريخها في الدعوة إلي الله, علي جانب آخر فإنها تيارات عاشت تجربة قاسية في ظل القمع السياسي والإستبداد وغياب الحريات وكان ينبغي ان يتخلص المجتمع من كل هذه الآثار السيئة, انها تيارات خرجت من ظلام السجون والمعتقلات ومعها حلم قديم في تحقيق العدالة والمساواة والحريات في الفكر والسلوك. حين اجتمعت هذه التيارات مع بقية القوي السياسية في ثورة يناير انصهرت في المجتمع وعاشت مع كل فئات الشعب لحظة تاريخية نادرة وكان ينبغي ان يمسك بها الجميع ولكن الذي حدث شئ غير ذلك.. خرج الإخوان المسلمون والسلفيون وبقية التيارات الإسلامية يعصفون بكل القوي الأخري في مواجهة ضارية وكأننا نعيش لحظة انتقام وليست لحظة انتصار علي الاستبداد وهنا رجعت هذه القوي إلي منظومة قديمة كان ينبغي ان تتجاوزها وهي منطق النظام السابق من ليس معنا فهو ضدنا, وكأننا مجتمع من الكفار كان ينبغي ان تفتح هذه القوي صفحات جديدة مع التيارات الأخري نتجاوز بها امراض الماضي وجني الثمار وعمليات الإقصاء والتهميش والمصادرة.. ولكن القوي الإسلامية ارادت ان تحتكر الساحة السياسية لنفسها فقط.. وامام إحساس طاغ بالأنانية والفردية لم تكتف هذه التيارات بإقصاء المعارضين لها بل انها بدأت تصفية بعضها البعض.. وهنا بدأت ملامح إنقسامات جديدة بين التيارات الإسلامية التي رفعت راية الإسلام: رغم سيطرة الإخوان المسلمين علي الساحة السياسية بدأت تلوح في صفوفهم انقسامات هنا وهناك وبدأ التداخل في المواقف والتصريحات وانتقاد الآداء.. في معركة ضارية انقسم السلفيون علي انفسهم قبل ان يمر عام واحد علي ظهورهم في الساحة السياسية بهذا الحضور الطاغي ليبدأ عزل القيادات وتعيين قيادات أخري بما يؤكد انهم علي ابواب إنقسامات حادة.. ولم يخل الأمر من إحتمالات مواجهات جديدة بين الإخوان المسلمين والقوي السلفية خاصة ونحن علي ابواب إنتخابات برلمانية جديدة. وسط هذه الإنقسامات ظهر حزب صوفي جديد تحت عنوان اخوان رسول الله لمواجهة الإخوان المسلمون ويضم الحزب الجديد حركات صوفية واحزابا صغيرة لتأسيس تيار ديني جديد يواجه التيارات الأخري خاصة الإخوان المسلمين والسلفيين وخلف هذا كله مازال تيار الشيخ حازم ابو إسماعيل يحتل مكانا آخر في الساحة السياسية لا أحد يعرف مستقبله. مع هذه القوي الإسلامية التي انقسمت علي نفسها وعلي دينها كانت الأحزاب الدينية الأخري مثل الجماعة الإسلامية, ولكن اغرب ما ظهر في مصر من التيارات الدينية هم حملة الرايات السوداء يخوضون حربا دينية في سيناء وامام السفارة الأمريكية وكأن الإسلام يحارب كفار مكة. هذه الجزر والتجمعات الدينية التي حملت جميعها راية الإسلام من اقصي التشدد الديني الذي تشهده سيناء الأن إلي الإخوان والسلفيين ثم دعاة التصوف عند اخوان رسول الله هذه الظواهر تؤكد اننا امام وطن آخر ومجتمع آخر غير هذا الذي عشنا فيه وكان يسمي مصر حيث ازهرها الشريف وعلماؤها الأجلاء ودينها الوسطي الذي كان يوما منارة للمسلمين في كل بقاع الأرض. إذا إفترضنا اننا نعيش في ظل دولة تحكمها تيارات إسلامية سواء كانت متشددة أو متصوفة فنحن ايضا امام معارضة متشرذمة حملت نفس أمراض التيارات الإسلامية.. في اقل من اسبوعين وجدنا انفسنا امام عدة تيارات معارضة لا استطيع ان اقول انها ليبرالية فقط ولكنها متعددة الهوي والألوان. وجدنا انفسنا امام تجمع يحمل اسم التيار الشعبي.. ثم اندفع للساحة تيار آخر يسمي الأمة المصرية.. ثم ظهر حزب الدستور وانطلق حزب المؤتمر وحزب مصر..ومع هؤلاء كان حزب الوفد العتيق بكل تاريخه.. وبعد ذلك كانت مفاجأة أخري بإعلان الحزب الناصري هذا بجانب احزاب أخري بالعشرات لا اعرف اسماءها. بجانب هذه القوي الليبرالية يقف بعيدا حزبا التجمع والناصري القديم وقبل هؤلاء جميعا حزب الوفد مدرسة الوطنية المصرية والأحق بأن يقود الآن المعارضة بكل أطيافها. هذه القوي التي تمثل كتلة بشرية وسياسية ضخمة في الشارع المصري لن تفعل شيئا بصورتها الحالية انها قوي عددية لن يكون لها اي تأثير في ظل الإنقسامات والصراعات وحالة التشرذم التي تعيشها.. ان هذه القوي تعاني كل ظواهر الفشل المبكر لأنها جميعا خارج نطاق المنافسة بصورتها الحالية..إن ازمتها الحقيقية انها تحمل أكثر من زعامة ولا شك في ان تعدد الزعامات بهذه الصورة يخلق بينها تناقضات تتجاوز التناقضات القائمة حاليا مع التيارات الدينية..نحن امام اكثر من رمز واكثر من زعيم فهل يمكن ان يجلس كل هؤلاء مع بعضهم ويختاروا شخصا واحدا يتفقون عليه.. ثم بعد ذلك ماهو البرنامج الذي يجتمع هؤلاء جميعا حوله غير كلمة واحدة وهدف واحد هو إسقاط التيار الإسلامي.. وإذا كان الهدف هو إسقاط نظام قائم ورفضه بهذه الصورة فمتي نصل إلي صيغة تسمي تداول السلطة عن إيمان وقناعه وهل الأفضل ان نسعي لإسقاط نظام قائم أم نحاول الوصول إلي إرادة شعبية تسقطه..وإذا كان هذا التيار الليبرالي لا يعترف بالقوي الأخري فما هي الديمقراطية التي نريدها هل هي ديمقراطية التيار والفكر الواحد إن هذه الرؤي تسيطر علي الإسلام السياسي وتسيطر ايضا علي القوي الليبرالية أي ان المأساة واحدة. إذا كانت هناك ازمة تعيشها التيارات الإسلامية رغم وصولها للسلطة فإن هناك ازمة اكبر تعيشها المعارضة في الشارع المصري لأنها لم تستطع حتي الأن توحيد قواها المنقسمة علي نفسها وتقديم برنامج واضح امام الشعب يمكن من خلاله توحيد الإرادة الشعبية..نحن امام كيانات سياسية لا تتجاوز حدود الرؤوس والقيادات ولكنها لم تستطع حتي الأن ان تمد جذورها مع بقية المجتمع..انها إجتماعات ولقاءات وخطب وفضائيات لم تتجاوز حدود القاهرة ولكن هذا المجتمع المترامي الأطراف لاشئ يصله من كل هذه الأشياء ولهذا يبدو النجاح أمرا صعبا إذا لم يكن مستحيلا.. هناك قوي سياسية فرطت في قواعدها مثل حزب الوفد وهو الأجدر والأحق بأن يقود كل هذه التيارات لأنه المدرسة الأولي بحق للوطنية المصرية فلا هو ديني ولا علماني ولا ليبرالي انه كل هؤلاء..وكان من الممكن ايضا ان يكون امامه تيار مواز هو التيار الناصري بحيث يكون الوفد ممثلا للوطنية المصرية العريقة والحزب الناصري ممثلا لتجربة إجتماعية مازالت تعيش في ضمير المصريين ثم تتوحد القوي الإسلامية لتصنع تيارا متألفا رغم الخلافات بينها وتكون هذه الثلاثية هي بداية تشكيل واقع سياسي جديد يقوم علي تداول السلطة والديمقراطية والصراع بين تيارات واضحة وصريحة هي التيار الديني..والتيار الوطني.. والتيار القومي..فهل يمكن ان تخضع الزعامات القائمة حاليا لهذا التقسيم وتقبل ان تخوض التجربة علي اساس هذا التواصل.. هل تتخلص التيارات الدينية من مناطق الخلاف بينها سواء كانت دينية أو سياسية أو اصحاب الرايات السوداء لتصبح تيارا واحدا في صورة حزب سياسي واحد متعدد الأطياف..هل يمكن ان تتوحد القوي الأخري سواء كانت ليبرالية أو قومية أو ناصرية أو حتي دينية تحت راية واحدة اسمها الوطن لنجد انفسنا امام حزبين أو ثلاثة علي أكثر تقدير..وهل يمكن ان تتراجع احلام الزعامة في كل هذه القوي السياسية من اجل الوصول بهذا الوطن إلي بر الأمان ام ان الصراعات التي نراها الآن سوف تصل بنا إلي مالا نحب وما لانريد. تبقي كلمة أخيرة اين شباب الثورة في كل هذه التجمعات سواء كانت دينية أو ليبرالية أو تحمل اطيافا أخري..ان غياب الشباب من الساحة ادانة قاطعة للجميع فليس من حق تيار أو جيل أو فصيل سياسي ان يحتكر الساحة السياسية حتي ولو كان ذلك علي حساب مستقبل هذا الوطن. ..ويبقي الشعر
نشروا علي الشاشات نعيا داميا وعلي الرفات تعانق الأبناء والأعداء وتقبلوا فيها العزاء.. وأمامها اختلفت وجوه الناس صاروا في ملامحهم سواء ماتت بأيدي العابثين مدينة الشهداء ماذا تبقي من بلاد الأنبياء.. في حانة التطبيع يسكر ألف دجال وبين كئوسهم تنهار أوطان.. وتسقط كبرياء لم يتركوا السمسار يعبث في الخفاء حملوه بين الناس في البارات.. في الطرقات.. في الشاشات في الأوكار.. في دور العبادة في قبور الأولياء يتسللون علي دروب العار ينكفئون في صخب المزاد ويرفعون الراية البيضاء.. ماذا سيبقي من نواقيس النفاق سوي المهانة والرياء. ماذا سيبقي من سيوف القهر والزمن المدنس بالخطايا غير ألوان البلاء ماذا سيبقي من شعوب لم تعد أبدا تفرق بين بيت للصلاة.. وبين وكر للبغاء النجمة السوداء ألقت نارها فوق النخيل فغاب ضوء الشمس.. جف العشب واختنقت عيون الماء ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء وعلي بقايا مجدها المصلوب ترتع نجمة سوداء فالعجز يحصد بالردي أشجارنا الخضراء لا شيء يبدو الآن بين ربوعنا غير الشتات.. وفرقة الأبناء والدهر يرسم صورة العجز المهين لأمة خرجت من التاريخ واندفعت تهرول كالقطيع إلي حمي الأعداء.. في عينها اختلطت دماء الناس والأيام والأشياء سكنت كهوف الضعف واسترخت علي الأوهام ما عادت تري الموتي من الأحياء كهانها يترنحون علي دروب العجز ينتفضون بين اليأس والإعياء من قصيدة ماذا تبقي من بلاد الأنبياء سنة 2000