مرة أخري ولن تكون الأخيرة تخرج علينا الحكومة بتصريحات علي لسان رئيس وزرائها الدكتور حازم الببلاوي مؤكدا أنه سيتم رفع الدعم تدريجيا عن الوقود بداية العام المقبل. المقلق في تصريحات رئيس الوزراء أنها جاءت متزامنة مع تصريحات أخري لوزير المالية يشير فيها إلي وجود اتجاه قوي لتنفيذ منظومة الدعم النقدي، وانطلاقا من كوني أحد المهتمين بشئون الطاقة أستطيع أن أقول إن منظومة الدعم الحالية والمشوهة لن يتم الاقتراب منها إلا مع حكومة غير مؤقتة لأن علاج هذا الخلل المفزع لن يتم بإجراء واحد أو قرار شبيه بما جري عام 2005 عندما تمت زيادة أسعار البنزين وترك باقي المنتجات البترولية دون زيادة أسعار أسعارها مما تسبب في ارتفاع الطلب عليها بصورة كبيرة واستخدامها كبديل للأنواع التي خضعت لزيادة الأسعار وبالتالي كانت المصلحة النهائية لقرارات 2005 ارتفاع نزيف الدعم وتصعيب عمليات إصلاح هذه المنظومة الغريبة. ودعونا نعود إلي الوراء بعد ثورة 25 يناير حيث دارت مجادلات ومناظرات كثيرة حول الطريقة المناسبة لإيصال الدعم إلي من يستحقه وهل الأفضل هو الشكل النقدي أم العيني؟ ثم أعلنت الحكومة أن الكوبونات هي الطريقة التي تم الاستقرار عليها ولم تمض سوي شهور قليلة وأعلنت الحكومة مرة أخري عن الكارت الذكي لتوزيع البنزين والسولار وحددت الحكومة أيضا الكميات التي ارتأت أنها مناسبة لكي يحصل عليها مالك السيارة بأسعار مدعومة وتلي ذلك الاعلان عن مراحل التنفيذ. وهكذا جري السير علي الطريق ورحلت الحكومة السابقة وتجدد الموضوع مرة أخري ولكنه كان مقرونا هذه المرة بتأكيدات واضحة من المسئولين بأن ما يجري تنفيذه من مراحل الكارت الذكي يستهدف الوصول إلي تقديرات حقيقية لكميات الاستهلاك المناسبة علي أن يلي ذلك توزيع الكروت علي أصحاب السيارات لاستخدامها في عمليات التموين بنفس الأسعار السائدة حاليا انتظارا لتنفيذ المرحلة الأخيرة التي سيتم من خلالها تحديد الكميات النهائية المدعومة وأسعارها وبدء العمل بهذا النظام. أقول إلي هذا الحد كانت الأمور تسير حتي فاجأنا رئيس الوزراء بالتصريح السابق ليصاب الناس بالحيرة والدهشة خاصة مع تصريح وزير المالية باحتمال تطبيق الدعم العيني لنعود إلي نقطة البداية من جديد. إن التعامل مع هذا الملف الشائك بهذا المنهج من التضارب وعدم التنسيق لا يعطي أي مؤشرات بإنجاز قريب فكيف سيتم رفع الدعم بداية العام المقبل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد؟ وكيف سيتم التنفيذ والصوت الحكومي به هذا النشاز المربك بين تصريحات رئيس الحكومة ووزير المالية؟ إصلاح منظومة الدعم أيا كان الشكل الذي سيتم اللجوء إليه يجب أن يكون مستندا بالأساس إلي مؤشرات الاقتصاد الكلي للدولة وحيث إن الحكومة بها عدد ليس قليلا من خبراء الاقتصاد فإنني أتساءل عن مناسبة الظرف المكاني للإصلاح وهل يتحمل المواطن الذي يئن من لهيب الأسعار موجة أخري من الارتفاعات المحمومة في أسواق ليس لها ضابط ولا رابط؟ وأتساءل أيضا عن المردود المالي من رفع الدعم تدريجيا في ظل هذه الظروف غير المواتية فوفقا لما يتوافر لدي من معلومات فإن الدراسات التي أجريت لهيكلة الدعم كان أكثرها تفاؤلا يستهدف توفير 20 مليار جنيه في المرحلة الأولي فهل يستحق هذا المبلغ رغم انني لا أقلل من أهمية التعجل في تطبيق نظام لم تتوافر البنية الأساسية الضرورية له حتي الآن؟ انني أقدر أهمية علاج هذا الاهدار في مواردنا وإيقاف دعم الفقراء للأغنياء ولكنني في نفس الوقت أتساءل هل نجحت الحكومة في إصلاح كارثة دعم الطاقة للصناعة؟ هل عدلت الحكومة أسعار المنتجات البترولية لمصانع الأسمنت والأسمدة والسيراميك واليخوت السياحية لتبدأ في تعديل أسعارها للمواطن العادي؟ وهل لم يلفت نظر المسئولين أن مصانع الأسمنت علي سبيل المثال تلتهم 10% من إجمالي استهلاك الغاز في مصر وتحصل عليه بسعر يقل عن نصف أسعاره العالمية ومع ذلك تقوم هذه الشركات ببيعه داخل السوق المصرية بما يماثل ضعف سعره العالمي دون أن تمتلك الحكومة شجاعة مواجهتها؟ وعلي نفس المنوال تأتي صناعات السيراميك والحديد والأسمدة ويخوت مارينا ومرسي علم. إن إصرار الحكومة علي البدء بالمواطن البسيط لعلاج تشوهاتها الاقتصادية وتحميله الفاتورة مجبرا يعكس خللا في ترتيب أولوياتها وصدق توجهها نحو الإصلاح وهو أيضا رهان خاسر بلا شك وعندما يخرج أحد المسئولين مبررا هذا التوجه بأن دعم البنزين والسولار يزيد علي ميزانيتي الصحة والتعليم فإنه يجب أن يذكر أيضا قيمة الدعم الذي تحصل عليه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وهل جري إصلاح الخلل الذي يعتريه؟ أم أن الحكومة اختارت البدء بالطرف الضعيف؟ أنا لا أطالب بترك تشوهات الدعم كما هي ولكنني أطالب الحكومة بأن تمتلك شجاعة المواجهة والبدء بمن يتربحون من هذا الخلل تحت دعاوي ظروف المنافسة والمخاوف من عدم جاذبية مناخ الاستثمار إذا ارتفعت أسعار الطاقة فهي مبررات شيطانية حصد البعض من ورائها المليارات. عندما تفعل الحكومة ذلك فإن الجميع سوف يؤيدها فيما يلي ذلك من خطوات لأن القوي هو من يمتلك القدرة علي مواجهة الأقوياء أما الاستئساد علي البسطاء فلا يحمل إلا مؤشرات الضعف والارتجاف. رابط دائم :